عندما يتحدث مهندسو نيوم
عبدالرحمن آل قوت
في أحد الأيام، وأثناء زيارة عمل إلى منطقة نيوم، التقيت بأحد المهندسين الشباب الذين يعملون على هذا المشروع الطموح. كان يقف وسط موقع البناء، تحت سماء مفتوحة تحيطها الجبال، وعلى وجهه مزيج من الحماس والتحدي. سألته: “ما الذي يجعلك متحمساً للعمل هنا؟”
ابتسم وأجاب: “هنا، نحن لا نبني فقط مدينة.. نحن نصنع المستقبل. كل قرار نتخذه، وكل حجر نضعه، يمثل خطوة نحو تغيير الطريقة التي سيعيش بها الناس في المستقبل.”
هذه الكلمات البسيطة ألهمتني، لأنها تعكس جوهر نيوم. إنها ليست مجرد مشروع عقاري أو مدينة جديدة.. إنها رؤية تغير المفاهيم التقليدية عن المدن.. في نيوم، لا يتم بناء البنية التحتية بالطريقة التقليدية، بل يتم تصميمها لتكون متكاملة مع الطبيعة، مدعومة بالطاقة المتجددة، ومجهزة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لتلبية احتياجات السكان قبل أن يدركوا أنهم بحاجة إليها.
خلال جولتي، شهدت كيف تُستخدم التقنيات المتقدمة لتحليل البيئة المحيطة وتصميم المباني بطرق تُقلل من البصمة الكربونية. في أحد المواقع، رأيت فريقًا يعمل على إنشاء نظام نقل ذاتي القيادة تحت الأرض، يربط بين مختلف مناطق المدينة. “هذا هو المستقبل”، قال أحد المشرفين. “هنا، نحن لا نبني لليوم، بل لسنوات قادمة.”
ما يجعل نيوم فريدة هو كيف تفتح أبوابها للمستثمرين من جميع أنحاء العالم، وتقدم لهم بيئة مصممة خصيصًا للابتكار. تحدثت مع أحد رجال الأعمال الذين استثمروا في منطقة “أوكساجون”، وهي أكبر مدينة صناعية عائمة في العالم. أخبرني كيف أن هذه المنطقة ليست فقط مكانًا للعمل، بل هي مختبر حي للتجارب الصناعية المستقبلية. “في نيوم، أحلامنا الكبيرة تجد مكانًا للتحقق”، قال وهو يشرح خططه لإطلاق مبادرة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحسين كفاءة التصنيع.
لكن القصة التي أثرت في أكثر كانت من سيدة تعمل كمتخصصة في التصميم البيئي. شاركتني تجربتها عن تصميم منتجع سياحي مستدام داخل نيوم، حيث يتم استخدام المياه المعاد تدويرها والطاقة الشمسية لتشغيل كل شيء، من التكييف إلى أنظمة الإضاءة. قالت: “هنا، نحن نصنع الفخامة التي لا تؤثر على البيئة. إنه تحدٍ، لكنه أجمل تحدٍ في حياتي.”
نيوم ليست مجرد مدينة، بل منصة للفرص، مكان يمنح الأفراد والشركات الفرصة لإعادة التفكير في كيفية العيش والعمل والاستثمار. إنها مدينة تُظهر لنا أن الابتكار ليس مجرد أداة لتحسين حياتنا، بل وسيلة لإعادة تصميمها بالكامل.
وأنت؟ هل ترى نيوم كمجرد مشروع أم كبداية لعصر جديد من المدن الذكية؟