بوابة الدرعية نموذجًا: دور العمارة في التنمية السياحية المستدامة
عمر الكنـدي
العمارة هي تعبير عن أسلوب الحياة وروح المدينة وهي نتاج إرث العصور والثقافات التي نشأت فيها، بينما السياحة هي سيناريو “لتعريف المدينة لجمهورٍ غير مألوف”، من الصعب مناقشة السياحة دون العمارة إذ يعتمدان على بعضهما البعض بشكل كبير بل ويعدان من الأنشطة وثيقة الصلة منذ العصور القديمة، حيث كان للصروح المعمارية دور مهم للغاية كمناطق للجذب السياحي ومن خلال الأيقونات المعمارية التي شُيدت فيها كانت (المعالم) أساس السياحة الثقافية والمعمارية للمدن القديمة.
ومن هنا نستنتج أن السياحة تتأثر بشكل كبير بعوامل عديدة أبرزها بل وأهمها “العمارة” حيث تعد إحدى سلع الاستهلاك السياحي؛ لذا فإن الشكل الفيزيائي للعمارة وجماليات المكان يعدان مقومان أساسيان لجعل المكان قابل للتمييز، كما يولدان الإحساس بالمكان ما يشكل نقطة جذب للسائح؛ إذ توجد علاقة فطرية بين الإنسان والمباني المعمارية والبيئة التي تحوي هذه المباني والتي غالباً ما تكون بمثابة دعوة غير رسمية للسائح لزيارة هذا المكان، وبهذا يرتبط دور العمارة في التنمية الاقتصادية من خلال تأثيرها على السياحة وكل ما يرتبط بها من مقومات اقتصادية وثقافية وسياسية حيث ينعكس هذا الدور على توفير فرص عمل واسعة مباشرة وغير مباشرة وعامل تحفيز للاستثمار وتنمية الاقتصاد المحلي، مما ينعكس بشكل إيجابي على دخل الفرد.
ومن هنا تشير الدراسات بأن الكثير من الدول تعتمد في تنميتها الاقتصادية على واردات السياحة أكثر من واردات الموارد الطبيعية، ولتبسيط مفهوم دور العمارة في التنمية السياحية المستدامة حسب وصف منظمة السياحة العالمية، فإن المبادئ التوجيهية للتنمية المستدامة وممارسات التدبير المستدام للسياحة تنطبق على جميع أشكال السياحة في جميع الوجهات بما في ذلك السياحة الجماعية ومختلف الأنماط السياحية الأخرى، وبالتالي تتميز السياحة المستدامة بالرؤية التي تعتمدها على المدى الطويل فيما يخص تطورها واثارها المختلفة على سبيل المثال الاجتماعية والثقافية والاقتصادية .. إلخ، وعلى المجتمعات المستضيفة كما تتطلب السياحة المستدامة المشاركة الفعالة للعديد من الأطراف المتداخلة من أجل تحقيق كافة الأهداف المرجوة.
وعند ذكر هذه الأهداف لا يسعني إلا ان أستشهد برؤية سيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله، “رؤية المملكة 2030” والتي أصبحت مثالًا حي يحتذى به عالمياً في تبني الأفكار ودراستها ثم سرعة ودقة تنفيذها على أرض الواقع بكل احترافية، مما جعلها “تبهر المستمع قبل المشاهد”، ومنها مشروع العاصمة التاريخية للمملكة العربية السعودية “بوابة الدرعية” وهو مشروع سياحي ثقافي حيوي أسسه الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله في العام 2019م. لـ ترميم المباني التراثية القديمة والتي يبلغ عمرها أكثر من 600 سنة على مساحة إجمالية 1,500,000 متر مربع. الذي يضم أكبر متحف إسلامي في العالم، ويشمل مدينة طينية متكاملة وهي عبارة عن تحفة معمارية فريدة تعكس إرث وثقافة وتراث الشعب السعودي الأصيل، حيث يتبين للمتابع لأخبار هذا الصرح المعماري الفريد مدى الدقة والالتزام التام لإتمامه بإشراف ومتابعة سموه، هذا هو المبدأ الأساس للنجاح في معالجة أي جانب من جوانب التنمية السياحية، حيث يجب أن تسير كل الخطط بعد دراستها محليا وإقليمياً ودولياً في آن واحد وبـ التنسيق والربط بينها جميعاً لتحقيق تنمية سياحية مستدامة.
مما سبق يتبين أن العمارة ذات تأثير كبير على السياحة، من خلال عدة ترابطات تأتي في مقدمتها قدرة العمارة على إيجاد وتوليد معالم رمزية تجسدها مبانٍ محددة تصبح بدورها مناطق للجذب السياحي من الداخل والخارج مؤثرة بدورها على الجانب الاقتصادي بصور إيجابية.
@OMARALKENDI