تواجه الصين تحديات متزايدة في تحقيق أهدافها البيئية الطموحة في قطاع إنتاج الصلب، حيث تتباطأ خطواتها نحو التحول إلى إنتاج أقل تلويثًا للبيئة. يأتي ذلك وسط أزمة العقارات الخانقة التي تؤثر على الطلب والأسعار، مما يضع الاقتصاد الصيني أمام معادلة صعبة بين الحفاظ على النمو الاقتصادي وتحقيق الالتزامات المناخية.
تحديات إنتاج الصلب النظيف في الصين
تُعتبر الصين أكبر منتج ومصدر لانبعاثات الكربون في العالم، حيث يمثل قطاع الصلب حوالي 7% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون عالميًا. وفي إطار مساعيها لخفض الانبعاثات، وضعت السلطات هدفًا لزيادة نسبة الصلب المنتج عبر أفران القوس الكهربائي – الأقل تلويثًا – لتتجاوز 15% من إجمالي الإنتاج بحلول عام 2025.
لكن البيانات تشير إلى أن الصين تواجه صعوبات كبيرة في تحقيق هذا الهدف. ففي عام 2023، بلغ متوسط معدل تشغيل أفران القوس الكهربائي 49% فقط، مقارنة بـ54% في العام السابق، وهو أدنى مستوى منذ بدء تسجيل البيانات في عام 2021، وفقًا لشركة “فوباو إنفورميشن” في شنغهاي، التي استندت إلى دراسة شملت أكثر من 100 مصنع.
أزمة العقارات وتأثيرها العميق
يشكل قطاع العقارات في الصين أحد أبرز أسباب التباطؤ في التحول نحو الإنتاج النظيف. إذ تعاني السوق العقارية من انخفاض حاد في أسعار المنازل، مع وجود فائض كبير في الوحدات غير المباعة، مما أدى إلى انخفاض الطلب على الصلب المستخدم في البناء، وبالتالي تراجع الإنتاج والأسعار.
شو شيانغتشون، محلل في شركة “مايستيل غلوبال”، صرّح بأن: “هدف الـ15% لن يتحقق في ظل الظروف الحالية، رغم توفر القدرة الإنتاجية لأفران القوس الكهربائي. انخفاض المبيعات وتراجع الأسعار أدى إلى خفض الإنتاج، حيث تعتمد هذه الأفران بشكل كبير على الطلب في قطاع البناء الذي تأثر بشكل كبير.”
توقعات متفاوتة بشأن المستقبل
بحسب رابطة الصلب العالمية، بلغت حصة أفران القوس الكهربائي من إجمالي إنتاج الصلب في الصين 9.9% خلال 2023، بينما أشارت فلورنس صن، الاستراتيجية في “ماكواري غروب”، إلى أن النسبة الفعلية قد تكون أقل قليلاً. ووصفت تحقيق هدف 15% بحلول 2025 بأنه “طموح للغاية”.
ومع ذلك، يظل هناك تفاؤل حذر بين بعض المحللين بشأن تحقيق تقدم ملموس في المستقبل. جيانغ مينغتيان، محلل في “هورايزون إنسايتس”، توقع تحسنًا تدريجيًا خلال السنوات القادمة بفضل استمرار التزام الصين بأهداف إزالة الكربون، مشيرًا إلى أن: “دفع السياسات الداعمة لتقنيات الإنتاج النظيف قد يساعد في تقليص الفجوة بين الواقع والطموح.”
أفران القوس الكهربائي: فرصة للصناعة والبيئة
تُعد أفران القوس الكهربائي تقنية رئيسية في تحقيق إنتاج صلب أكثر استدامة، حيث تعيد صهر الصلب القديم بدلًا من استخدام الفحم، مما يقلل من الانبعاثات الكربونية بشكل كبير. ولكن رغم أهميتها، لا تزال هذه التقنية تواجه تحديات هيكلية، أبرزها التكلفة العالية والاعتماد الكبير على الطلب من قطاع البناء.
معضلة الاقتصاد والمناخ
تشكل أزمة الصلب في الصين نموذجًا لمعضلة أوسع تواجهها الدول الصناعية، حيث تتطلب التحولات البيئية استثمارات طويلة الأجل قد تتعارض مع الأهداف الاقتصادية قصيرة الأجل.
بينما تسعى الصين لتحقيق توازن بين دعم الاقتصاد ومواجهة التباطؤ العقاري من جهة، والالتزام بخفض الانبعاثات وتطوير إنتاج الصلب النظيف من جهة أخرى، يبقى السؤال الأهم: هل يمكنها تجاوز هذه التحديات وتحقيق أهدافها المناخية في الوقت المحدد؟
تمثل أزمة الصلب النظيف في الصين اختبارًا حقيقيًا لقدرتها على التوفيق بين النمو الاقتصادي والمسؤولية البيئية. وعلى الرغم من الصعوبات الراهنة، فإن التركيز على الابتكار والسياسات الداعمة قد يكون السبيل الوحيد لتحقيق التوازن المطلوب وتحويل التحديات إلى فرص في المستقبل.