في خطوة من شأنها أن تعيد رسم ملامح القطاع العقاري وتعزز الوصول إلى التملك السكني في المملكة، وافق مجلس الوزراء على تعديل تنظيم الدعم السكني، في قرارٍ اعتبره مراقبون نقلة نوعية في تمكين المواطنين، لا سيما الشباب والنساء، من تحقيق حلم تملك المسكن الأول.
القرار، الذي أعلن عنه وزير البلديات ووالإسكان ماجد بن عبدالله الحقيل، يتضمن حزمة من التعديلات النوعية التي تستجيب للتحولات الاقتصادية والاجتماعية، وتفتح المجال أمام شريحة أوسع من المواطنين للاستفادة من برامج الدعم، بما في ذلك خفض سن الاستحقاق، وتوسيع نطاق أهلية النساء، وتقليص مدة التصرف في الوحدات السكنية المدعومة، ما ينعكس مباشرة على مرونة السوق العقارية وتنوع حلولها التمويلية والسكنية.
خفض سن الاستحقاق.. الشباب يدخلون مبكرًا إلى سوق التملك
أحد أبرز تعديلات تنظيم الدعم السكني تمثل في خفض سن الاستحقاق للدعم السكني من 25 عامًا إلى 20 عامًا، وهي خطوة استراتيجية تواكب الواقع الديموغرافي للمملكة، حيث تمثل فئة الشباب نسبة كبيرة من السكان. هذا التعديل يتيح لجيل جديد من المواطنين الدخول المبكر إلى سوق التملك، ويمنحهم فرصة التخطيط السكني والمالي طويل الأجل، كما يعزز ثقافة الادخار والاستقرار لدى الأسر الناشئة.
تمكين المرأة.. إلغاء شرط الإعالة يوسّع قاعدة المستفيدين
في انعكاس واضح للتوجهات الإصلاحية للمملكة، شملت التعديلات إلغاء شرط الإعالة للزوجة والأم المطلقة، وهو ما يمنح المرأة السعودية مزيدًا من الاستقلالية في التملك والاستفادة من الدعم السكني. هذه الخطوة تفتح الباب أمام آلاف النساء، خاصة المطلقات والأرامل، للحصول على مسكن مدعوم دون اشتراطات معقدة، بما يساهم في تمكينها اقتصاديًا واجتماعيًا.
مرونة أكبر.. تقليص مدة التصرف يعزز ديناميكية السوق
ومن التعديلات المحورية أيضًا تقليص مدة التصرف في الخيارات السكنية المدعومة من 10 سنوات إلى 5 سنوات، مما يمنح المستفيدين حرية أكبر في اتخاذ قراراتهم المالية والمعيشية، ويواكب التغيرات المتسارعة في الظروف الشخصية والمهنية. هذا التعديل يعزز جاذبية برنامج “سكني”، ويدفع المزيد من المواطنين إلى الاستفادة من عروضه دون القلق من القيود الزمنية السابقة.
حماية وتنظيم.. إجراءات أكثر صرامة للتحقق من البيانات
وفي إطار الحوكمة والشفافية، شملت التعديلات تشديد الإجراءات التنظيمية المرتبطة بصحة البيانات المقدمة من المستفيدين، حيث يمكن للجهات المختصة استرداد الدعم السكني أو الوحدة السكنية أو الأرض، في حال اكتشاف تقديم معلومات غير صحيحة. هذه الخطوة تعزز مصداقية البرامج وتضمن توجيه الدعم إلى مستحقيه الفعليين.
دعم القطاع العقاري.. وتوسيع قنوات التمويل
هذه التعديلات لا تخدم فقط المستفيدين، بل تمثل دفعة قوية للقطاع العقاري ككل. فهي توسع قاعدة الطلب الحقيقي على الوحدات السكنية، وتمنح المطورين والممولين مزيدًا من الوضوح والاستقرار في سياسات التملك. كما تعزز مناخ الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتفتح المجال أمام تطوير منتجات تمويلية وسكنية جديدة تلبي احتياجات الشرائح المختلفة.
ويأتي ذلك في إطار استراتيجية برنامج “سكني” الذي يسعى لتوفير حلول مرنة ومتعددة تتناسب مع مختلف الاحتياجات، وتسريع وتيرة التملك للأسر السعودية، تحقيقًا لمستهدفات رؤية المملكة 2030 التي تسعى إلى رفع نسبة تملك المواطنين للمساكن إلى 70%.
ما الذي ينتظر السوق العقارية؟
يرى مراقبون أن خفض سن الاستحقاق، وتمكين المرأة، وتقليص مدة التصرف، ستحدث تحولات عميقة في التركيبة الديموغرافية للمستفيدين من الدعم السكني، ما يفرض على المطورين العقاريين تقديم وحدات متنوعة من حيث المساحة والسعر لتلبية هذا التنوع.
كما يُتوقع أن تزداد المنافسة بين البنوك وشركات التمويل العقاري لتقديم عروض أكثر جذبًا لهذه الشريحة الواسعة من الشباب والمستفيدين الجدد، ما قد يُسهم في تطوير أدوات تمويلية مبتكرة، كالقروض المشتركة أو التمويل الممتد.
وتعكس هذه التعديلات في تنظيم الدعم السكني حرص القيادة السعودية على تعزيز جودة الحياة، وتحقيق تطلعات المواطنين في تملك السكن المناسب، وبناء مجتمع أكثر استقرارًا واستدامة. ويبدو أن السوق العقارية في المملكة تستعد لمرحلة جديدة من النمو والتوسع، قوامها المرونة، والعدالة، والتنوع.