إهمال الوحدات الشاغرة والحلول الفعالة
م. محمد سعيد
كنت في حديث مع أحد الأصدقاء، روى لي معاناته بشأن رغبته في شراء مبانٍ قديمة (غير مأهولة) في أحياء متفرقة من مدينتَي الدمام والخبر، والتي غالبًا ما تكون في حالة عمرانية متردية، وذلك بغرض إعادة تطويرها واستثمارها.
ويذكر أنه واجه صعوبة كبيرة في الوصول إلى بعض الملاك، وحتى حين يتمكن من ذلك، يجد أن الأسعار مبالغ فيها، وعدم جدية في البيع، أو أن المبنى مملوكٌ لعدة أشخاص (ورثة) في الغالب، مما يتطلب جهداً كبيراً للتفاوض والوصول إلى قرار، وغالبًا لا يتم.
مع الأسف الضحية الأولى في مثل هذه الحالات هي جودة البيئة العمرانية، سواء في الحي السكني أو في المحاور الحيوية التي تقع فيها هذه المباني المهجورة، والتي تؤدي إلى آثار سلبية متعددة: انخفاض قيمة العقارات المجاورة، تشوّه الصورة الحضرية، وتراجع شعور السكان بالأمان والانتماء، واستغلال هذه المواقع من قِبل ضعاف النفوس بما يهدد السلامة العامة، وأخيرًا هجرة السكان من الحي.
معالجة هذه المباني أعادت إلى ذهني إحدى التجارب الدولية التي اطّلعت عليها مؤخراً، وهي تجربة بلدية مدينة ليفربول في المملكة المتحدة، والتي نشرت خبرًا حول اتخاذها خطوات عملية لمعالجة مشكلة المساكن الشاغرة. فقد أوردت البلدية، كجزء من جهودها في توفير مساكن بأسعار معقولة، قرارًا بزيادة الضرائب على الوحدات السكنية الفارغة التي ظلت شاغرة لأكثر من 12 شهرًا.
وقد أشارت إلى أن المنازل الشاغرة لفترات طويلة تتدهور حالتها، وتتحول إلى مصدر إزعاج وتشويه للمجتمعات، وتعطي انطباعًا بالإهمال، وهو أمر غير عادل للسكان. وعلى النقيض تمامًا، فإن إعادة استغلال هذه الوحدات لا يؤدي فقط إلى زيادة المعروض من المساكن المعقولة، بل يعزز أيضًا شعور السكان بالفخر والانتماء، ويُسهم في تقليل الجريمة، وينعش الأنشطة والمحلات التجارية المحلية.
صدر حديثًا قرار مجلس الوزراء بتعديل نظام رسوم الأراضي البيضاء، بهدف تحقيق التوازن في السوق العقاري، ورفع كفاءة استخدام الأراضي والمباني غير المستغلة. وأبرز ما جاء في هذه التعديلات هو فرض رسوم جديدة على العقارات الشاغرة التي تُترك لفترات طويلة دون مسوّغ مقبول، نظراً لما لذلك من أثر سلبي على وفرة المعروض في السوق العقارية.
ومما لا شك فيه أن هذا القرار الحكيم، وغيره من القرارات المرتبطة، سيسهم -بمشيئة الله – في معالجة مثل هذه المشكلات، وسينعكس إيجابًا على تحسين جودة الحياة الحضرية في جميع مدن المملكة، من خلال الحد من الهدر العمراني وتحفيز تفعيل الأصول العقارية المعطّلة.
“مرحلة تمكين المطورين، وإزالة الراكدين” اعجبتني هذه المقولة من أحد الناشطين في المجال العقاري.
خبير في التخطيط الحضري