في وقت تشهد فيه المملكة العربية السعودية تحولات سريعة في نمط الحياة والسكن، أزاحت نتائج مسح المساكن لعام 2024 الصادر عن الهيئة العامة للإحصاء الستار عن تفاصيل دقيقة بشأن توزيع أنماط السكن بين المناطق المختلفة، كاشفةً عن تصدر منطقة الرياض لقائمة المناطق التي تسكنها الأسر في الفلل، بينما جاءت مكة المكرمة في مقدمة المناطق التي يقطن سكانها الشقق.
ويعكس هذا التنوع في التوزيع، إلى جانب معدلات تملك المساكن التي أظهرتها بيانات التعداد السكاني لعام 2022، صورة متكاملة لمشهد سكني يتغير بوتيرة متسارعة، ويكشف عن اختلافات بين المناطق في تفضيلات السكان، وكذلك في أنماط الحياة والقدرة الشرائية.
الرياض تتصدر الفلل.. ومكة الأولى في الشقق
أظهرت نتائج المسح أن منطقة الرياض احتلت المرتبة الأولى في نسبة الأسر التي تسكن في الفلل، حيث بلغت النسبة 35.9% من إجمالي الأسر في المنطقة، تليها المنطقة الشرقية بنسبة 19.5%، ثم منطقة مكة المكرمة بـ 12.5%.
وتتراجع النسب في مناطق أخرى بشكل تدريجي، إذ سجّلت القصيم نسبة 7.9%، وعسير 6.8%، بينما لم تتجاوز النسب في كل من حائل وجازان والمدينة المنورة والجوف حاجز 4%. أما المناطق الأقل في هذا التصنيف فشملت الحدود الشمالية ونجران بنسبة 1.4% لكل منهما، وتبوك بـ 1.3%، وأخيراً الباحة بـ 0.9% فقط.
في المقابل، تصدّرت مكة المكرمة مناطق المملكة من حيث نسبة السكان الذين يقطنون في شقق سكنية، مسجلةً 34.2%، تلتها الرياض بـ 18.2%، ثم الشرقية بـ 16.3%، والمدينة المنورة بـ 10.3%، في حين تراوحت النسب في باقي المناطق بين 5% و1% تقريباً، ما يعكس توجهًا حضريًا في بعض المناطق واختلافات في الكثافة السكانية ونمط التطوير العمراني.
الشقق وجهة الأسر الفردية.. والفلل خيار المتعددين
ولم تقتصر البيانات على التوزيع الجغرافي، بل تناولت أيضاً أنماط السكن وفق تكوين الأسرة، حيث أظهرت الأرقام ميلاً واضحاً لدى الأسر الفردية نحو السكن في الشقق، بنسبة وصلت إلى 55.8%، مقابل 16.2% فقط يفضلون الفلل.
أما الأسر المتعددة الأفراد، فكان نمط السكن أكثر توازناً، إذ سكنت 43.4% منها في شقق، و33.3% في فلل، مما يعكس واقعاً اجتماعياً متنوعاً يتأثر بعوامل المساحة، والتكلفة، وعدد أفراد الأسرة، ومستوى الدخل.
نصف الأسر السعودية تملك منازلها.. وحائل في الصدارة
أما على صعيد ملكية المساكن، فقد أظهرت نتائج تعداد السكان والمساكن لعام 2022 أن 60.6% من الأسر السعودية تملك مساكنها، وهو مؤشر إيجابي يتماشى مع مستهدفات رؤية المملكة 2030 لرفع نسبة التملك السكني إلى 70%.
وسجّلت منطقة حائل أعلى نسبة تملك بين المناطق الإدارية بـ 74.9%، تلتها القصيم بـ 72.1%، ثم جازان بـ 70.4%، في حين جاءت عسير بـ 69.1%، والباحة بـ 68.0%، ونجران بـ 65.7%.
أما الرياض، فجاءت بنسبة تملك بلغت 60.7%، قريبة من المعدل الوطني، في حين سجّلت مكة المكرمة والشرقية نسباً متقاربة عند حدود 56%، وكانت المدينة المنورة صاحبة أدنى نسبة تملك بين المناطق بـ 54.5%.
تحولات عمرانية ومجتمعية
تكشف هذه الأرقام عن تحولات عمرانية واجتماعية تشهدها المملكة، مدفوعة بالنمو السكاني، وزيادة معدلات التحضر، والمبادرات الحكومية التي تسعى لتمكين المواطنين من التملك، وتوفير خيارات سكنية متنوعة تناسب مختلف الشرائح.
كما يعكس تباين تفضيلات السكن بين المناطق تفاعلاً مع معطيات الحياة اليومية في كل منطقة، سواء من حيث الفرص الاقتصادية، أو أنماط البناء والتخطيط العمراني، أو الخدمات والبنية التحتية المتاحة.
ويُنتظر أن تستمر هذه التغيرات خلال السنوات المقبلة، بالتزامن مع خطط الإسكان الجديدة، وتطور نمط الحياة في المدن السعودية، مما يتطلب استراتيجيات مرنة من الجهات المعنية لمواكبة احتياجات المواطنين وتحقيق الاستدامة السكنية.