المشروع لا يكذب… لكنه لا يتكلم
عبدالرحمن بن علي آل قوت
في السوق العقاري، لا يتحدث المشروع، ولا يدافع عن نفسه، ولا يبرر تأخره، ولا يشرح تصميمه، الذي يتحدث هو المطور، والإعلان، والحملة التسويقية، وهنا تبدأ الفجوة، فكلما غابت الشفافية، ارتفعت أصوات الدعاية، وكلما قلت المعلومات، زادت العبارات الإنشائية.
اليوم المشتري أكثر وعياً من أي وقت مضى، ولم يعد ينجذب للشعارات دون سند، ولا يكتفي بما يُقال في الإعلان. بل يبحث، ويقارن، ويتتبع خلفيات المشروع والمطور، ويربط بين الوعود والواقع.
بعض الحملات التسويقية تبدو وكأنها تحاول تغطية الفجوة بين ما لم يُنجز، وما يُراد بيعه، تُقدَّم المجسمات باعتبارها إنجازاً، والمخططات وكأنها حيّ قائم. والمشكلة لا تكمن في أدوات التسويق، بل في درجة الصدق فيها.
لكن، وهنا التوضيح المهم، ليس في ذلك نقدٌ لنموذج البيع على الخارطة بحد ذاته. بل على العكس، هذا النموذج هو أحد أعمدة تطوير السوق العقاري في المملكة، وقد ساهم في تحريك عجلة التملك، وتمكين الشركات الجادة من النمو. وقد أتاح للمشتري أن يستفيد من فرص لم تكن ممكنة سابقاً.
المشكلة ليست في النموذج، بل في من يُسيء تقديمه. فالبيع على الخارطة لا يعني أن نبيع «الوهم»، بل أن نبيع «الممكن»، وأن نتحدث بلغة المراحل، لا بلغة النهاية.
الشفافية ليست ترفاً. إنها جزء من القيمة السوقية للمشروع. المطور الذي يشارك السوق بتقارير الإنجاز، وصور من أرض الواقع، وجداول زمنية معلنة، لا يحتاج إلى مبالغة. مشروعه يتحدث عنه، ويكسب ثقته من وضوحه.
والمطور الذي لم يبدأ بعد، لا بأس أن يُعلن ذلك، ويطرح وحداته بلغة دقيقة:
«نبدأ في الربع الفلاني، نُسلم في العام الفلاني، وهذه شركتنا، وهذه سابقة أعمالنا.»
فالصدق، في السوق العقاري، ليس خياراً أخلاقياً فقط، بل خيارٌ تجاري ناجح.
المشروع لا يكذب، لكنه يشهد، يشهد لمن صدق فأنجز، ولمن بالغ فعجز. وفي النهاية، السوق لا يلتفت كثيراً لما يُقال… بل لما يتحقق.