تشهد الأسواق العقارية بالمنطقة، عروضاً لوحدات سكنية في معارض أنيقة ومجسمات ثلاثية الأبعاد، فيما لا تزال الأرض خاوية والخرسانة لم تُصب بعد. ورغم ذلك، تُسجّل قوائم انتظار، وتُدفع دفعات مالية لحجز شقق لم تُشيَّد بعد. إنها ظاهرة “البيع على الخارطة“، التي تحوّلت من مجرد أسلوب تسويقي إلى آلية تمويل محورية يعتمد عليها المطورون العقاريون، ليس فقط في دول الخليج ومصر، بل في معظم الأسواق الناشئة.
لكن، لماذا يفضل المطورون هذا النموذج؟ وما الذي يجعل المستثمرين يغامرون بأموالهم في مشاريع لا تزال على الورق؟ هذا التقرير يسلط الضوء على الدوافع الاقتصادية للمطورين، الإطار التنظيمي الذي ينظم هذا النوع من المبيعات، والتحديات التي تواجه المشترين.
تسويق الحلم قبل التشييد
يقصد بـ”البيع على الخارطة” أن يشتري العميل وحدة عقارية لم تُبْنَ بعد، اعتمادًا على رسومات وتصاميم هندسية وعروض ترويجية. وفي بعض الحالات، تبدأ هذه العمليات حتى قبل صدور التراخيص النهائية للمشروع. وبموجب هذا النموذج، يدفع المشتري مقدمًا مبلغًا من المال، ثم يستكمل باقي الدفعات وفق جدول زمني يرتبط عادةً بنِسَب الإنجاز، على أن يتسلّم وحدته عند اكتمال المشروع.
ويخضع هذا النوع من المبيعات في العديد من الدول لنظم رقابية، حيث تُودَع الدفعات في حسابات ضمان مخصصة، ولا يُصرَف منها للمطور إلا وفق تقدم مراحل الإنشاء، في محاولة لحماية أموال المشترين من التعثر أو التلاعب.
تمويل مرن ومخاطر أقل
يفضل المطورون البيع على الخارطة لأسباب متعددة، في مقدمتها التمويل الذاتي. إذ يساعد هذا النموذج في تمويل المشروع من خلال السيولة التي يضخها المشترون أنفسهم، ما يقلل من اعتماد المطور على القروض المصرفية مرتفعة التكلفة. وفي كثير من الحالات، تكون الدفعات المسبقة كافية لتغطية نسبة كبيرة من تكاليف الإنشاء، وهو ما يمنح المطور قدرة أكبر على إدارة السيولة وتقليل المخاطر المالية.
كذلك، يتيح البيع المبكر اختبار جدوى المشروع في السوق. فإذا شهدت الوحدات إقبالًا قويًا منذ الإعلان الأول، يُعدّ ذلك مؤشرًا إيجابيًا يدعم قرار الاستمرار أو التوسّع، ويمنح المطور قوة تفاوضية أكبر أمام البنوك والجهات الممولة.
ومن الزاوية التسويقية، فإن بيع نسبة كبيرة من المشروع قبل التشييد يعزز من سمعة المطور ويمنحه دفعة معنوية في السوق، خصوصًا عندما يُعلن عن بيع معظم الوحدات قبل البدء في التنفيذ الفعلي.
نحاح مشاريع البيع على الخارطة
وقد شهد السوق السعودي قفزات كبيرة في هذا النوع من المشروعات، خاصة في الرياض وجدة، حيث ارتفعت رخص المشاريع المُباعة قبل الإنشاء بأكثر من 130% خلال ثلاث سنوات.
كما أنه في دبي، على سبيل المثال، تشير بيانات رسمية إلى أن أكثر من 70% من الوحدات السكنية التي طُرحت بين عامي 2021 و2024 تم بيعها على الخارطة، في موجة دفعت بالعديد من المطورين إلى تبني هذا النموذج كخيار رئيسي. وفي السعودية، يشرف برنامج “وافي” على تنظيم عمليات البيع على الخارطة،
وفي مصر، على الرغم من غياب الإطار التنظيمي الصارم المماثل لدول الخليج، إلا أن المطورين يتوسّعون في طرح وحدات بنظام السداد الطويل (أحيانًا حتى 8 سنوات)، معتمدين على “البيع على الخارطة” لتمويل مشاريعهم وسط تحديات تضخمية وشح في التمويل المصرفي.
تنظيمات صارمة لحماية المشترين
لتقليل مخاطر البيع على الخارطة التي قد يتعرض لها المشترون، أصدرت عدة دول عربية تنظيمات صارمة تُلزِم المطورين بفتح حسابات ضمان، وربط سحب الأموال بمعدلات الإنجاز، وإصدار تقارير دورية للجهات التنظيمية، إلى جانب توفير ضمانات ضد العيوب الفنية في التشطيب والهيكل الخرساني.
هذه الإجراءات رفعت من مستوى الشفافية في السوق، ودفعت بمزيد من المستثمرين إلى الثقة في هذا النموذج، رغم أن المخاوف لا تزال قائمة في بعض الأسواق التي تفتقر إلى تشريعات حازمة، حيث سجلت حالات من تأخر التسليم أو تسليم وحدات بمواصفات أقل من الموعودة.
مكاسب المطور العقاري
- دورة تمويل أقصر = دوران أسرع لرأس المال.
- هوامش أعلى بسبب فروق الأسعار بين «الورق» والتسليم النهائي.
- تسويق تراكمي: كل مشروع ناجح مسبق البيع يجذب مستثمرين لمشاريع لاحقة.
المخاطر التي قد يواجهها المشترون
- تأخير التسليم: يتأثر الجدول الزمني بارتفاع تكاليف مواد البناء أو تأخر الموافقات الحكومية.
- جودة أقل من الموعود: اختلاف المواصفات بين النماذج والواقع.
- مخاطر سيولة: صعوبة إعادة بيع وحدة غير مكتملة إذا احتاج المستثمر للتخارج.
استراتيجيات الحد من المخاطر
- التأكد من رخصة البيع على الخارطة لكل مشروع.
- مراجعة جدول الدفعات وربطه بنسب الإنجاز لا بالأشهر.
- الاحتفاظ بنسخة تفصيلية من ملحق التشطيبات الملزمة قانونًا.
- اختيار مطوّرين ذوي سجل تسليم مثبت لا أقل من مشروعين ناجحين سابقًا.
- الاستعانة بخبير تقييم مستقل لمراجعة التقارير الهندسية ربع السنوية.