الامتثال القانوني والحوكمة : ركيزة الاستدامة في المشاريع العقارية
د. عبدالحكيم بن عبدالله الخرجي
في قلب كل مشروع عقاري ناجح، يبرز شريك فاعل يقف بثبات خلف كل خطوة، يساند صانع القرار، ويوجه المسار نحو النجاح الآمن، لا يُختزل دوره في الأوراق، بل يمتد الى بناء الثقة بين جميع الأطراف، فهو حاضر في كل قرار، ومؤثر في كل خطوة؛ من شراء الأرض، إلى توقيع العقود، وحتى تسليم آخر وحدة، ركيزة أساسية حاضرة تدعم الهيكل وتمنحه الشرعية والاستدامة.
ذلك الشريك، هو الامتثال القانوني
ورغم أن أعين المستثمرين تتجه غالبًا نحو مؤشرات العائد، وموازين الربح والخسارة، إلا أن كثيرًا من التعثرات تبدأ من ثغرة عقد، أو تأخر ترخيص، أو نزاع لم يُحسب له حساب، فالمطور الذي يتحرك في ميدان العقار دون خريطة قانونية واضحة، كمن يبني على أرض رخوة، مهما بدت معالمها الواعدة.
القانون هنا لا يزاحم، بل يؤسس، إنه لا يعطل الإبداع، بل يحميه. يصيغ الالتزامات، ويحصّن العلاقات، ويمنح المشروع مناعة ضد أزمات قد تظهر بعد توقيع أول شيك أو بيع أول وحدة.
وفي زمن تتسارع فيه التحديثات التنظيمية، بات لزامًا على كل مشروع أن يواكب التنظيمات؛ لا بالمصادمة، بل بالمبادرة. بأن يُخطط قانونيًا كما يخطط ماليًا، وأن يُحصّن نفسه بعقود محكمة، وتراخيص مكتملة، واستشارات قانونية متخصصة ترافقه منذ الفكرة حتى الإغلاق.
إن الامتثال لم يعد ترفًا تنظيميًا، بل ضمانًا للاستدامة، ورسالة للجهات التمويلية والمشترين بأن هذا المشروع محكوم قبل أن يُشيَّد، وأن نجاحه لا يُبنى فقط بالإسمنت، بل بالقانون.
الامتثال ليس مجرد التزام، بل هو لغة استباق. هو الفرق بين مشروع يتحرك بثقة ومشروع يترنح أمام التحديات.
الحوكمة القانونية تُحوّل العلاقة بين أطراف المشروع إلى منظومة متوازنة، تُراعي حقوق الجميع، وتُقلل مساحة التنازع، وتؤسس للشفافية التي تُعد اليوم من أهم معايير ثقة المشترين والممولين.
إن المشاريع العقارية اليوم لم تعد تقيّم فقط بجودة البناء أو موقع الأرض، بل بقدرتها على الصمود أمام اختبارات السوق، والتغيرات النظامية، ومطالب الجهات الرقابية. وهذا لا يتحقق إلا بشريك قانوني فاعل، يقرأ الأنظمة كما يقرأ المخططات، ويواكب التحديثات كما يواكب مراحل البناء.
فالامتثال القانوني ليس ما يُقال بعد الأزمة، بل هو الوقاية التي يمنع وقوعها.
محامي ومختص في الحوكمة والامتثال القانوني