كسوة الكعبة.. حين يلبس البيت ثوبًا سنويًا من نور
د. عبدالحكيم بن عبدالله الخرجي
في مطلع كل عام هجري، وبينما تتأهب القلوب لرحلة زمنية جديدة، تتجدد مهابة المشهد وتنبض مكة المكرمة بمشهد يليق بقدسيتها: كسوة الكعبة المشرّفة. ثوب من حريرٍ أسود، نسجته الأيادي المؤمنة، وخاطته القلوب قبل الإبر، يُلفّ به البيت العتيق، كأنما تكسوه السماء جلالًا.
في مشهد يتكرر كل عام، لكنه لا يفقد أبدًا مهابته ولا بريقه، تُكسى الكعبة المشرّفة بثوبها الأسود المطرّز بخيوط الذهب، في طقوس تهتز لها القلوب قبل العيون. كسوة ليست مجرد نسيج فاخر، بل رمز سيادي روحي، يجمع بين الجمال والمهابة، ويُعيد التذكير بعظمة البيت الذي جعله الله مثابة للناس وأمنًا.
ذلك البيت الذي قال فيه رب العزة:
*{إن أول بيت وُضع للناس للذي ببكة مباركًا وهدى للعالمين}* [آل عمران: 96]،
هو موطن القِبلة، ومهوى الأفئدة، وعين النور الذي تُضاء به قلوب المسلمين أينما كانوا. بيتٌ بناه إبراهيم ورفعه إسماعيل، فسجّل الله لهما الخلود في الدعاء:
{ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم} [البقرة: 127].
إنها لحظة تتجاوز حدود الحِرفة والصنعة، لتصبح إعلانًا حيًّا عن مكانة مكة، ومركزية الكعبة في وجدان أكثر من مليار مسلم. لحظة تختزل مزيجًا نادرًا من الفخر والخشوع، وتُجسد الدور العظيم الذي تضطلع به المملكة العربية السعودية في خدمة الحرمين الشريفين.
ومع عظمة الحدث، لا يزال صوته دون صدى إعلامي يليق به. فمن غير المقبول أن تمر هذه الشعيرة الفريدة بتغطيات محدودة، أو أن تُنقل كما لو كانت مناسبة عابرة، بينما هي في الحقيقة حدث أممي، ديني، حضاري.
وجميل أن يُعاد النظر في آليات التغطية الإعلامية لكسوة الكعبة المشرفة. بحيث تصبح مناسبة ذات بُعد عالمي، تحظى بتغطية شاملة من كافة القنوات السعودية والعربية والدولية، وبكل اللغات، لتعريف العالم بعظمة الإسلام، وسماحة رسالته، وجمال شعائره.
أن يُدعى الإعلام العالمي لمكة، أن تُنقل لحظة التبديل ببث حيّ متعدد اللغات، أن تُرافقها خطابات دعوية ناطقة بألسنة العالم، تنقل الرسالة كما تُكتب في مكة، لا كما تُترجم خارجها.
إن إبراز هذه الشعيرة بوسائل إعلام محترفة، وبخطاب مُتقن يليق بجمال الإسلام، ليس مجرد ترويج لصورة، بل هو رسالة، وعمل دعوي راقٍ، يعزز الفهم العالمي لهذا الدين العظيم.
الكسوة ليست قماشًا فاخرًا فحسب، بل هي راية، وهيبة، وتذكير بأن هذا البيت له ربّ يحميه، وأن هذه الأمة لها دين يُعلّيها.
في كسوة الكعبة، لا تتجدد الأقمشة فحسب، بل تتجدد الرسالة: أن هذا البيت لله، وأن من شرف خدمته، وجبت عليه أمانة التعريف به.
فالكسوة عباءة هيبة، وراية سلام، ونبض أمة. فلنروِها للعالم كما تستحق.
محامي وعضو هيئة حقوق الانسان