يُعد الاستثمار في الأراضي الزراعية بالمملكة ركيزة أساسية لتحقيق الأمن الغذائي وتنويع الاقتصاد، وتسييل المخزون العقاري لصناعة المزيد من الفرص الواعدة، صيفة أملاك العقارية تفتح هذا الملف الذي يسلط الضوء على أهم التحديات التي تواجه هذا النوع من الاستثمار، وخاصة من المتوقع أن يصل حجم القطاع إلى 25.7 مليار دولار بحلول 2030
استطلاع: عبدالله الصليح
عبدالمجيد الجار الله: الاستثمار في الأراضي الزراعية لم يعد خيارًا بديلًا
صرّح الوسيط العقاري عبدالمجيد الجار الله، المهتم بالأراضي الزراعية، بأن توجه الشركات الكبرى نحو الاستثمار الزراعي في السعودية لم يأتِ من فراغ، بل مدفوعٌ برؤية استراتيجية تتكامل مع مستهدفات رؤية 2030، وتعزيز الأمن الغذائي محليًا وإقليميًا.
وأشار الجار الله إلى أن عامي 2024–2025 شهدا ضخّ أكثر من 37 مليار ريال لمشاريع زراعية، في خطوة تعكس جدية الدولة في تمكين هذا القطاع الحيوي. كما أكد أن استحواذ شركة SALIC السعودية على 80% من «Olam Agri» العالمية بقيمة تفوق 6.6 مليار ريال، يكشف عن رؤية وطنية بعيدة المدى لربط سلاسل الإمداد الغذائي بالاستثمار المحلي.
وأضاف الجار الله: «نحن نشهد اليوم تحولًا في النظرة للأراضي الزراعية، من كونها ممتلكات خام إلى كونها أصول استثمارية ذات عوائد مجزية تتراوح بين 6–12% سنويًا عند التشغيل الجيد، خصوصًا مع تطور تقنيات الزراعة الذكية واعتماد البيوت المحمية والزراعة المائية».
كما أوضح أن مناطق مثل القصيم، حائل، الجوف، عسير والمدينة المنورة أصبحت وجهات جاذبة للمستثمرين الزراعيين نظرًا لتوفر الموارد والدعم الحكومي، عبر تسهيلات صندوق التنمية الزراعية، وتمكين الملكيات وتحسين البنية التحتية.
وقارن الجار الله بين أنواع الأراضي، قائلًا: «الأراضي السكنية والصناعية مرتبطة بدورات السوق، وقد تتأثر بالمضاربات، بينما الزراعية تُعد مصدر دخل حقيقي ومستقر، وتحظى بزخم تصاعدي بفضل الحاجة للأمن الغذائي والدعم الحكومي المستدام».
وفي الوقت نفسه، لم يغفل الجار الله التحديات، وذكر منها: شُح المياه، محدودية الأراضي الصالحة للزراعة (1–2% فقط)، ظاهرة التصحر، وتكلفة التقنيات الحديثة، فضلًا عن القيود المتعلقة بملكية الأجانب، مشيرًا إلى أن «الاستثمار الزراعي الواعي يتطلب شراكات ذكية وتخطيط طويل الأجل لتجاوز هذه العقبات».
واختتم الجار الله تصريحه بالتأكيد على أن السوق الزراعي في المملكة يُظهر مؤشرات نمو قوية، متوقعًا أن يصل حجم القطاع إلى 25.7 مليار دولار بحلول 2030 بمعدل نمو سنوي مركب قدره 7.2%، مما يجعل الاستثمار الزراعي خيارًا استراتيجيًا لا يُغفل.
عبدالله اليحيا: ضعف توجه الشركات نحو الأراضي الزراعية يعود لغياب الآليات والمردود
قال عبدالله اليحيا، الرئيس التنفيذي لشركة فالك العقارية، إن توجّه الشركات العقارية للاستثمار في الأراضي الزراعية لا يزال محدودًا وضعيفًا، رغم ما تحمله هذه الأراضي من إمكانات استثمارية واعدة، مرجعًا ذلك إلى عدد من الأسباب والعوامل المؤثرة التي تعيق دخول هذه الشركات لهذا المجال.
وأكد اليحيا في حديثه لصحيفة «أملاك العقارية» أن من أبرز هذه العوامل عدم وجود آليات واضحة للتعامل مع الصك الزراعي، سواء من حيث تحويله إلى سكني أو الاستفادة منه ضمن نشاطه الزراعي بالتحديد المستخدم له، ما يضع المستثمر في حالة من الضبابية، إضافة إلى أن المردود على المشاريع الزراعية غير مغرٍ حتى الآن لشركات التطوير العقاري.
وأشار إلى أن هذا الواقع انعكس مباشرة على عروض الأراضي الزراعية في السوق، حيث باتت أسعارها منخفضة جدًا مقارنة مع غيرها من الأراضي، حتى تلك الواقعة داخل النطاق العمراني، وهو ما يدل على تدني الطلب الاستثماري عليها، وعدم إدراك أصحابها لفرص التطوير الممكنة.
تحديات مالية وتقنية
وأضاف اليحيا أن هناك تحديات مالية وتقنية أيضًا، أبرزها التكلفة العالية للاستثمار في الأراضي الزراعية، سواء من ناحية البنية التحتية أو إدارة المشروع أو التشغيل، وهو ما يزيد من ضعف العائد المتوقع، ويجعل الشركات تميل إلى الخيارات الأسهل والأكثر ربحية مثل الاستثمار السكني، الذي لا يزال يحقق عوائد مغرية تمنعها من المغامرة في مجالات تحتاج إلى خبرات مختلفة وكوادر متخصصة.
وقال:”الفرق بين الاستثمار العقاري والزراعي كبير، من حيث طبيعة الإدارة ونموذج العمل ومصادر الدخل، وهذا ما يجعل الكثير من الشركات العقارية غير مهيأة للتعامل مع مشاريع زراعية، فهي خارج نطاق خبرتها، خاصة أن العائد منها يحتاج إلى وقت طويل ويواجه تحديات متعددة.”
برنامج «ريف السعودية».. دعم مباشر وتشجيع على الاستثمار الريفي
وفي سياق الحديث عن المحفزات، أشار عبدالله اليحيا إلى أن الدولة –وفقها الله– تبنّت مؤخرًا دعم الاستثمار الزراعي من خلال برنامج “ريف السعودية”، وهو أحد المبادرات النوعية التي قدمت دعمًا ماليًا غير مسترد للمستثمرين في القطاع الزراعي، وبلغ عدد المزارع المستفيدة من هذا البرنامج أكثر من 87 ألف مزرعة.
وأوضح أن هذا البرنامج ساعد في تشجيع الاستثمار في الأرياف داخل المدن وخارجها، وأسهم في ظهور نماذج ناجحة ومؤثرة، إلا أن التحدي لا يزال في تحقيق الاستمرارية وزيادة الإقبال من المستثمرين على هذا النوع من المشاريع.
وأضاف:”هذه المبادرات لا تقتصر فوائدها على الجانب الاقتصادي، بل تسهم أيضًا في تحقيق جودة الحياة، خاصة في المناطق التي يرتبط فيها الترفيه بالطبيعة المحلية للسكان، وقد شهدنا زيارات سياحية حقيقية من مواطنين ومقيمين، بل وحتى من خارج المملكة مثل بعض دول الخليج، إلى عدد من المشاريع الزراعية المدعومة، ما يشير إلى أهمية هذا النوع من الاستثمارات من الناحية البيئية والاجتماعية والسياحية.”
الشركات تتجه للصناعي والسكني.. والزراعي يحتاج تنظيماً ووعياً
وتابع اليحيا أن معظم الشركات العقارية تفضّل التوسع في الاستثمار الصناعي كخيار تالي بعد السكني، نظرًا لوضوح معالمه وسهولة احتساب عوائده، وسرعة دراسات الجدوى الخاصة به، مشيرًا إلى أن الطلب على الأراضي الصناعية يكاد يكون ضعف الطلب على الأراضي الزراعية في كثير من المناطق.
وأشار إلى أن كثيرًا من الأراضي الزراعية حاليًا مهجورة من قبل ملاكها، ولا يوجد وعي كافٍ بالفرص الاستثمارية الممكنة فيها، وهو ما يجعلنا بحاجة إلى تأثير مجتمعي وتوعوي أكبر، سواء تجاه الملاك أو المستثمرين أو حتى الشركات العقارية، مضيفًا:
“لو تم تسليط الضوء على الفرص، ووُضعت التنظيمات الواضحة، فإننا سنشهد تحولًا كبيرًا في النظرة لهذه الأراضي.”
أنسنة المدن وزيادة الغطاء النباتي.. منافع اجتماعية للاستثمار الزراعي
وأكد عبدالله اليحيا أن الأراضي السكنية والصناعية أكثر تنظيمًا من حيث اللوائح والأنظمة، وهذا ما يجعلها أكثر جاذبية للاستثمار من الأراضي الزراعية، والتي لا تزال بحاجة إلى لوائح وآليات تتناسب مع أهميتها البيئية والاجتماعية والاقتصادية.
وختم حديثه بقوله: “المشاريع الزراعية تسهم في أنسنة المدن، وزيادة الغطاء النباتي، وربط الإنسان بالطبيعة، وهذه عوائد لا تُقاس فقط بالمردود المالي، بل تتعلق بجودة الحياة ورفاهية المجتمع، وهي أهداف يجب أن تُؤخذ في الحسبان عند صياغة سياسات التطوير العمراني والاستثماري مستقبلاً.”