شهد حي “الخير” شمال مدينة الرياض انهيارًا مفاجئًا في أسعار الأراضي، هبوطاً تجاوز 65% خلال أقل من ساعة واحدة، وفقاً لبيانات منصة البورصة العقارية الرسمية. وشكلت هذه التحولات السريعة صدمة للمستثمرين والمضاربين على حد سواء، وأعادت رسم ملامح المشهد العقاري في العاصمة، في إشارة واضحة إلى دخول السوق مرحلة تصحيح جديدة طال انتظارها.
ووثقت البيانات الصادرة عن المنصة تنفيذ صفقة عند الساعة 11:12 مساءً بسعر 1,284 ريالًا للمتر المربع لقطعة أرض تبلغ مساحتها 467 مترًا مربعًا، وبقيمة إجمالية بلغت 600 ألف ريال. لكن ما لبثت السوق أن شهدت صفقة أخرى بعد دقائق فقط، بسعر بلغ 1,132 ريالًا للمتر الواحد لمساحة 398 مترًا مربعًا، بقيمة نهائية لم تتجاوز 450 ألف ريال، وهو ما دلّ على تراجع سريع ومباشر في الأسعار ضمن نطاق زمني ضيّق للغاية.
هذا الانخفاض المتسارع، الذي جاء بعد فترة شهدت خلالها السوق تراجعات طفيفة لم تتجاوز 15%، أعاد إلى الواجهة تساؤلات كثيرة حول أسباب هذا الانخفاض ومآلاته. ويرى مراقبون أن هذا التراجع لا يمكن فصله عن قرارات حكومية أخيرة تتعلق بفتح مساحات جديدة من الأراضي البيضاء في شمال الرياض، ضمن خطة تهدف إلى زيادة المعروض العقاري وتسهيل تملك المواطنين للوحدات السكنية بأسعار مناسبة. واعتُبرت هذه القرارات من أبرز المحفزات التي دفعت السوق نحو التصحيح، لا سيما في الأحياء التي كانت تعاني من مضاربات حادة وارتفاعات غير مبررة في الأسعار، كما هو الحال في حي “الخير”.
ويرى خبراء القطاع أن التصحيح الحالي ليس ظرفيًا أو محدود الأثر، بل يُمثل بداية لتحولات هيكلية أوسع نطاقًا في سوق الأراضي في شمال العاصمة. ويشيرون إلى أن هذه التحولات ستقود إلى إعادة تقييم واقعية لأسعار الأراضي، خصوصًا في المناطق التي شهدت تضخمًا سعريًا خلال الأشهر الماضية، ما يفتح المجال لبناء سوق أكثر توازنًا وشفافية، يتماشى مع أهداف رؤية السعودية 2030 التي تضع المواطن في قلب التنمية العقارية.
في خضم هذه التطورات، بدأ كثير من المستثمرين في إعادة النظر في خياراتهم وتوجيه بوصلتهم نحو مناطق جديدة أكثر ارتباطًا بالمشروعات التنموية الكبرى. ويبرز من بين هذه المناطق كل من “العاذرية” و”الرمال”، اللتين تتمتعان بقربهما من مشاريع واعدة مثل “المسار الرياضي” و”مشروع القدية”، والتي يتوقع أن تتيح فرص نمو واستقرار أفضل على المدى الطويل مقارنة بالمناطق التي اعتمدت في ارتفاع أسعارها على المضاربة فقط.
ويرجّح محللون أن يستمر هذا الاتجاه التصحيحي خلال الفترة المقبلة، مع ميل تدريجي نحو الاستقرار السعري، وتراجع نسبي في تأثير المضاربات على حركة السوق. ويرون أن المستثمرين باتوا أكثر ميلًا للبحث عن الأراضي المطورة والمخططات المعتمدة التي تتماشى مع توجه الدولة لرفع جودة الحياة، وتوفير منتجات عقارية تخدم المواطن وتسهم في استدامة القطاع على المدى البعيد.