تحول استراتيجي يُنتظر أن يعيد رسم ملامح السوق العقاري السعودي،بعدما وافق مجلس الوزراء الثلاثاء الماضي على نظام تملك غير السعوديين للعقار، ما يفتح الباب على مصراعيه أمام رؤوس الأموال الأجنبية للدخول بقوة إلى واحد من أكثر القطاعات حيوية في الاقتصاد السعودي.
وتأتي هذه الخطوة في إطار رؤية المملكة 2030، وتثير في الوقت ذاته تساؤلات مشروعة حول تداعياتها على المعروض العقاري، والأسعار، وفرص المواطنين في التملُّك… فهل نشهد طفرة عقارية أم موجة تضخم في أسعار العقارات؟
ماذا يعني النظام الجديد؟
كشفت وزارة البلديات وعن تفاصيل النظام الجديد لتملك غير السعوديين للعقار، مشيرة إلى أنه يمثل امتدادًا للتشريعات العقارية الرامية إلى تحفيز النمو في القطاع، وتعزيز جاذبيته للاستثمار الأجنبي المباشر، بما يسهم في دعم الاقتصاد الوطني وتنويع مصادر الدخل.
وبموجب النظام، سيُتاح لغير السعوديين التملك داخل نطاقات جغرافية محددة، خصوصًا في مدينتي الرياض وجدة، بينما يخضع التملك في منطقتي مكة المكرمة والمدينة المنورة لضوابط دقيقة نظرًا لحساسيتهما الدينية والاجتماعية.
انعكاسات مباشرة على المعروض العقاري
أبرز ما يلفت الانتباه في النظام المُحدَّث هو دوره المتوقع في رفع المعروض العقاري، عبر استقطاب شركات التطوير الأجنبية والمستثمرين الدوليين. هذه الزيادة المرتقبة في المعروض من شأنها أن تعزز التوازن بين العرض والطلب، وتحدّ من الاختناقات العقارية التي قد تُسهم في ارتفاع الأسعار.
ويرى مختصون أن دخول رؤوس الأموال الأجنبية سيضخّ استثمارات جديدة في مشاريع الإسكان والتجارية والضيافة، ما يُسهم في تعزيز مخزون الوحدات السكنية والتجارية على حد سواء، ويزيد من تنوع الخيارات أمام المستهلك المحلي.
هل تتأثر أسعار العقارات؟
بينما قد يُسهم ارتفاع المعروض العقاري في كبح جماح الأسعار، إلا أن دخول المستثمر الأجنبي قد يؤدي – في بعض المناطق – إلى رفع القيمة السوقية للعقارات نتيجة زيادة الطلب على المواقع المميزة، خصوصًا في المدن الكبرى مثل الرياض وجدة.
وتعتمد نتائج هذا التوجه على طبيعة التطبيق العملي للنظام، ومدى قدرة الجهات التنظيمية على ضبط السوق ومنع أي ممارسات احتكارية أو مضاربات قد تؤثر سلبًا على أسعار التملك للمواطنين.
آليات رقابية صارمة
أكّدت وزارة البلديات والإسكان أن النظام راعى المصالح الوطنية من خلال آليات واضحة لضبط السوق العقاري، تضمن الامتثال للإجراءات التنظيمية الرامية إلى الحفاظ على التوازن بين مصالح المستثمرين الأجانب وحقوق المواطنين.
كما ستتولى الهيئة العامة للعقار اقتراح النطاقات الجغرافية المسموح فيها بالتملك للأجانب، مع الالتزام بطرح اللائحة التنفيذية للنظام خلال 180 يومًا على منصة “استطلاع”، لضمان إشراك المجتمع والمهتمين في مناقشة تفاصيل تطبيق النظام، قبل دخوله حيز التنفيذ في يناير 2026.
ترسيخ الشفافية والاستقرار
تؤكد الجهات المختصة أن هذا التوجه لا يُعد تنازلًا عن مكتسبات المواطنين، بل يهدف إلى خلق بيئة عقارية مستقرة ومستدامة، تتسم بالشفافية والانضباط، من خلال تمكين الجهات الرقابية من متابعة حركة السوق بشكل فعال، ووضع اشتراطات دقيقة لضمان عدم التأثير السلبي على الفئات المتوسطة ومحدودي الدخل.
النظام الجديد يأتي متكاملًا مع نظام الإقامة المميزة وتنظيمات تملك مواطني مجلس التعاون الخليجي، ما يعزز تكامل المنظومة التشريعية العقارية في المملكة. كما يمنح المستثمر الأجنبي وضوحًا قانونيًا واستثماريًا، ويعكس نضج البيئة التنظيمية السعودية، التي باتت تُدار بمنهجية اقتصادية دقيقة توازن بين الجذب الاستثماري وحماية المصالح الوطنية.