الإلزام بزكاة الأراضي البيضاء: ضرورة شرعية ومصلحة اقتصادية مجتمعية
د. عبدالحكيم بن عبدالله الخرجي
تُعد الزكاة أحد أركان الإسلام، ووسيلة تكافلية اقتصادية تحقق التوازن بين الطبقات الاجتماعية وتساهم في تنشيط الدورة المالية، وفي هذا السياق، فإن إلزام ملاك الأراضي البيضاء بدفع زكاتها ليس مجرد مطلبًا شرعيًا فحسب، بل هو ضرورة قانونية واقتصادية لحماية السوق العقاري من الاحتكار وتحقيق العدالة في توزيع الموارد.
إن الأراضي البيضاء – وهي الأراضي غير المستغلة داخل أو خارج النطاق العمراني – تمثل مخزونًا عقاريًا محتكرًا في أيدي فئة محدودة، مما يؤدي إلى رفع الأسعار واحتباس التنمية، ومع غياب الاستخدام الفعلي لها، تصبح هذه الأراضي أداة للمضاربة لا تُنتج سكنًا أو استثمارا ولا تدر نفعًا للمجتمع.
ومن الناحية الشرعية، فإن المال الراكد الذي لا يُستثمر ولا يُستخدم – متى توفرت فيه الشروط – يخضع للزكاة، وقد نصّ الفقهاء على أن الأرض المملوكة بقصد البيع تدخل في عروض التجارة، وتجب فيها الزكاة سنويًا، وبالتالي، فإن الامتناع عن أداء زكاة تلك الأراضي يمثل تعطيلًا لمقصد شرعي.
أما من الناحية القانونية والاقتصادي، فإن الإلزام بالزكاة سيكون له أثر مزدوج:
– الأول: تحفيز أصحاب الأراضي على بيعها أو تطويرها، لتجنب دفع الزكاة المتكررة دون وجود مردود استثماري.
– والثاني: دعم خزينة الدولة أو صناديق الزكاة بما يعزز من قدرتها على تمويل برامج الإسكان والتنمية لمستحقي الزكاة.
وقد أثبتت التجارب السابقة أن الأدوات المالية مثل الرسوم والزكاة على الأراضي، فعالة في كسر الاحتكار العقاري ودفع السوق نحو التوازن، وهو ما يتماشى مع أهداف رؤية المملكة 2030 في تعزيز جودة الحياة وتيسير التملك.
من هنا، فإن تقنين إلزام ملاك الأراضي ممن لا تنطبق عليهم رسوم الأراضي البيضاء بدفع الزكاة عبر تنظيم واضح وصريح – عن طريق الهيئة العامة للزكاة – سيكون إجراءً إيجابيًا يعزز من كفاءة السوق، ويحقق العدالة، ويرسّخ قيم الشريعة الإسلامية في إدارة المال العام.
وبذلك فإن الزكاة ليست بديلاً عن الرسوم، بل تكمل الدور الشرعي والاقتصادي في تحقيق العدالة ومنع تعطيل الموارد العقارية دون وجه حق، إن هذا التداخل المنهجي بين النظام المالي للدولة والواجبات الشرعية يعكس تكاملًا بين التنظيم القانوني والالتزام الديني، ويُبرز حرص المملكة العربية السعودية على تحقيق التوازن بين تحفيز التنمية العمرانية، وضمان التوزيع العادل للثروة وفق أحكام الشريعة الإسلامية.
في الختام، فإن هذا التوجه ليس فقط واجبًا دينيًا، بل مطلبًا اقتصاديًا يُسهم في حل أزمة السكن وتحقيق التنمية المتوازنة.
محامي ومستشار قانوني