«الوساطة العقارية».. ومواجهة تحديات الثقة
د. حمود الفالح
في السوق العقارية، حيث تتقاطع الأرقام بالطموحات، تظل الثقة مفتاح النجاح وأكبر التحديات أمام الوسطاء العقاريين؛ فرغم وضوح القوانين والتنظيمات الحديثة، ما زال بعض الملاك والتجار مترددين في الاعتراف بالدور الحاسم للوسيط المرخص، وهو تحول ثقافي يحتاج إلى وقت وجهد ليترسخ .إذ لم يعد الوسيط مجرد ناقل لعقد أو صفقة، بل غدا الضمانة الحقيقية لعدالة التعاملات، وحلقة وصل استراتيجية تعيد صياغة العلاقة بين المستثمر والملاك.
وقد شهد القطاع العقاري مؤخرًا نقلة نوعية لم تقتصر على المشاريع الكبرى أو البنية التحتية، بل شملت مهنة الوساطة نفسها. فمنذ اعتماد نظام الوساطة الجديد عام 2023، لم تعد المهنة نشاطًا عشوائيًا تحكمه العلاقات، بل أصبحت مهنة مرخصة ومؤهلة، تضمن الحقوق وتحد من التلاعب.
اليوم يشترط على الوسيط الحصول على ترخيص رسمي، واجتياز برامج تدريبية، وتوثيق العقود إلكترونيًا عبر منصات معتمدة، وقد انعكس هذا سريعًا على السوق، حيث جرى توثيق أكثر من 96 ألف عقد وساطة في الربع الأول من 2025، إلا أن الحاجة قائمة لتعزيز الكفاءات لمواكبة حجم التعاملات المتنامي.
الوسيط العقاري لم يعد مجرد جسر بين البيع والتمويل، بل أصبح محركًا رئيسيًا للقطاع. ففي النصف الأول من 2025، سجلت السوق نحو 216 ألف صفقة بقيمة 167 مليار ريال. هذه الأرقام تعكس نضج المستثمرين وتحوّل أنماط الاستثمار نحو الفرص التنموية والطلب الحقيقي، بعيدًا عن المضاربات قصيرة الأمد. وهكذا غدا السوق مساحة استثمارية أكثر توازنًا واستدامة.
ومع أن الأرقام تكشف عن نجاحات واضحة، إلا أن التحدي الأكبر لا يزال في بناء الثقة وترسيخ الاعتراف بالوسيط المرخص كضمانة أساسية للصفقات العادلة والمستقرة. فتمكين الوسطاء يحتاج إلى وقت وإلى تغيير في الذهنية السائدة، ليتحول دورهم من مجرد وسطاء معاملات إلى واجهات مهنية تنقل احترافية السوق ومصداقيته.
إن الوسيط العقاري اليوم يجسد صورة جديدة للسوق السعودية، سوق تتكامل مع رؤية المملكة 2030 في بناء قطاع عقاري منظم وشفاف ومستدام، ومن خلال دوره، يتحقق التوازن بين الملاك والمستثمرين، ويُعاد تعريف الاستثمار العقاري كمساحة آمنة وواعدة، تسهم في تعزيز النمو الاقتصادي وتلبي الطموحات الوطنية.