وسط تحول لافت يشهده سوق العقارات في العاصمة السعودية، كشفت شركة نايت فرانك للاستشارات العقارية أن تشغيل مشروع قطار الرياض ساهم في إحداث طفرة سعرية كبيرة في المناطق السكنية القريبة من محطاته، إذ سجلت بعض الفلل ارتفاعًا في قيمتها بنسبة 78% مقارنة بعام 2023.
ووفقًا لتقرير حديث أصدرته الشركة، فإن شبكة القطار المكوّنة من 6 خطوط و85 محطة حققت نجاحًا فوريًا منذ بدء التشغيل، حيث تجاوز عدد ركابها 100 مليون راكب خلال الأشهر التسعة الأولى، ما يعكس الإقبال الكبير على وسائل النقل العام الحديثة داخل العاصمة.
أوضحت نايت فرانك أن الأحياء القريبة من محطات قطار الرياض تشهد ما يُعرف بـ «علاوة المترو»، أي ارتفاع أسعار العقارات الواقعة في نطاق 15 دقيقة سيرًا على الأقدام من المحطات، مقارنة بتلك الواقعة في مناطق أبعد.
وفي تحليلها لأسعار الفلل بثلاثة أحياء مختلفة هي طويق واليرموك والملقا، كشفت الشركة عن فروقات واضحة في معدلات النمو: ففي حي طويق، ارتفعت أسعار الفلل القريبة من المترو بنسبة 20% بين الربع الثاني 2023 والربع الثاني 2025، مقابل 10% فقط في المناطق البعيدة. أما في اليرموك، فكان الأثر أكثر وضوحًا، حيث قفزت الأسعار بنسبة 78% قرب المحطات، مقارنة بارتفاع لا يتجاوز 22% في أطراف الحي. وفي الملقا، أحد أكثر أحياء الرياض رسوخًا، سجلت العقارات القريبة من المترو زيادة بنسبة 20%.
تأثير حضري واقتصادي واسع
قدّرت نايت فرانك أن نحو 1.5 مليون من سكان الرياض — أي ما يعادل 18% من إجمالي سكان المدينة البالغ عددهم 8.3 مليون نسمة — يعيشون اليوم على بُعد مسافة قصيرة من إحدى محطات القطار. وهذه النسبة المرتفعة، بحسب التقرير، تؤكد نجاح المشروع في تحقيق وصول حضري سريع وشامل منذ انطلاقه.
كما تشير التقديرات إلى أن قطار الرياض يسهم في تقليل نحو 250 ألف رحلة بالسيارة يوميًا، ويوفر قرابة 400 ألف لتر من الوقود يوميًا، ما يعزز دوره كمحرك رئيسي للتحول نحو التنقل الحضري المستدام في العاصمة.
توسعات مرتقبة وآفاق تنموية جديدة
أوضحت الشركة أن خطة التوسعة المقبلة لقطار الرياض — والتي تشمل خطًا سابعًا بطول 65 كيلومترًا يربط بين القدية وحديقة الملك سلمان وبوابة الدرعية ومربع الجديد ومطار الملك خالد الدولي — ستفتح الباب أمام موجة جديدة من التنمية العمرانية والاستثمار العقاري على امتداد العاصمة.
كما لفت التقرير إلى أن شبكة القطار تتيح فرصًا واسعة للمطورين والمستثمرين لإنشاء مجتمعات عمرانية متكاملة حول المحطات الجديدة، وتحويل الأراضي التي كانت تُعتبر بعيدة أو غير جاذبة للاستثمار إلى مناطق واعدة للنمو العقاري والتجاري.
تطوير موجه بالنقل
وترى نايت فرانك أن إدخال قطار الرياض إلى جانب سياسات حضرية جديدة كرفع الكثافة العمرانية حول المحطات، يمكن أن يؤدي إلى ظهور تجارب تطوير حضري موجه بالنقل تشبه ما تشهده المدن العالمية الكبرى، عبر تنشيط الحركة الراجلة، ودعم تجارة التجزئة، وازدهار مشاريع سكنية وتجارية تتمركز حول خطوط المترو.
التكامل بين النقل العام والخاص
وأشار التقرير إلى أن نجاح شبكة قطار القطار لا يمكن فصله عن أنظمة النقل المساندة كالحافلات وشبكات المشاة المحسّنة، موضحًا أن بيانات الركاب الأخيرة أظهرت ترابطًا متزايدًا بين وسائل النقل المختلفة.
فقد نقلت شبكات الحافلات في المملكة نحو 23 مليون راكب خلال الربع الأول من 2025، بزيادة 34% مقارنة بالربع السابق، بينما واصلت الرياض تحديدًا تسجيل نمو مستمر في عدد الركاب من 15 مليونًا إلى 15.6 مليون، ما يعكس نجاح منظومة النقل المتكاملة في دعم أهداف التنمية الحضرية للعاصمة.