اختتمت جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية “كاوست” بمقرها أمس, أعمال الورشة الوطنية السنوية لمبادرة مستقبل الأسمنت (FCI)، التي جمعت أكثر من (200) مشارك من الجهات التنظيمية، وقادة القطاع الصناعي، والباحثين، والخبراء الفنيين؛ بهدف المضي قدمًا في إعداد خارطة طريق مشتركة للإسمنت منخفض الانبعاثات وعالي الأداء في المملكة العربية السعودية، وخرجت بالنتائج الأولية للسنة الأولى من المبادرة، مسلطة الضوء على فرص جديدة لخفض الانبعاثات وتعزيز تنافسية قطاع الإسمنت في المملكة.
ويُعد الأسمنت من أكثر المواد استهلاكًا للكربون على مستوى العالم, ومع توقع ارتفاع الطلب العالمي من (4.37) مليارات طن في عام 2025 إلى أكثر من (5.5) مليارات طن بحلول عام 2030، يواجه هذا القطاع ضغوطًا متزايدة لخفض الانبعاثات، مع الاستمرار في دعم نمو البنية التحتية عالميًا، ويُتوقع أن يبلغ الطلب المحلي للإسمنت نحو (80) مليون طن سنويًا بحلول عام 2030، مدفوعًا بوتيرة التنمية المتسارعة في قطاعات الإسكان والصناعة والمشروعات الوطنية العملاقة.
وأفاد الباحثون أن عدة أنواع من الطين المستخرج محليًا من مناطق مختلفة في المملكة تُظهر إمكانات واعدة لاستخدامها كمكونات في خلطات أسمنتية أكثر استدامة، ويمكن أن يسهم استخدام هذه المواد في تقليل الاعتماد على “الكلنكر الإسمنتي” التقليدي، وهو مادة وسيطة في صناعة الإسمنت تُعد أكثر مكوناته كثافة من حيث الانبعاثات، مع الحفاظ في الوقت نفسه على القوة والأداء اللازمين لقطاع التشييد في البلاد.
وشهد برنامج الورشة، الذي استمر يومين، مزيجًا من التدريب الفني، والعروض البحثية، وحلقات النقاش الإستراتيجية حول سبل تحديث صناعة الإسمنت في المملكة بما يواكب أولوياتها الاقتصادية والبيئية, وفي اليوم الثاني، نوقشت المسارات الإستراتيجية لإزالة الكربون من الإسمنت، ونماذج الاقتصاد الدائري، وآليات إدارة الكربون، ودور التقنيات الناشئة في تشكيل مستقبل القطاع.
وتناولت الورشة كيفية امتصاص الإسمنت المنتج في المملكة للكربون بشكل طبيعي خلال فترة استخدامه، ونظرًا لطبيعة المناخ الدافئ وأنماط الرطوبة في المنطقة، قد تمتص الخرسانة المستخدمة في المملكة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي بمعدل أسرع مقارنةً بالعديد من مناطق العالم الأخرى, ويسهم فهم هذا السلوك في تحسين دقة احتساب الانبعاثات، وتطوير معايير المواد، وتعزيز التخطيط طويل المدى لمشروعات البنية التحتية.
ويعمل باحثو “كاوست” على تطوير إضافات جديدة وحلول متقدمة للمواد؛ تهدف إلى تعزيز متانة الإسمنت منخفض الكربون وأدائه, وتشكل هذه الابتكارات، إلى جانب التقنيات الناشئة مثل: المواد الإسمنتية الدائرية، وأدوات النمذجة المعززة بالذكاء الاصطناعي، جزءًا من الجهود الأوسع التي تبذلها كاوست لدعم انتقال المملكة نحو ممارسات بناء وتعمير أكثر كفاءة واستدامة.