يشهد سوق العقارات السكنية في المملكة العربية السعودية مرحلة جديدة تتسم بإعادة التوازن بعد فترة من النمو المتسارع، حيث بدأت المؤشرات تكشف عن تباين واضح في الأداء بين المدن الرئيسية. فبينما تتجه وتيرة نمو الأسعار في الرياض إلى التباطؤ، تحافظ مدن أخرى مثل جدة وحاضرة الدمام على مستويات طلب مستقرة، مدفوعة بعوامل اقتصادية وتنموية مختلفة تعكس تنوع ديناميكيات السوق العقاري في المملكة.
أفادت شركة JLL في تقرير حديث لها، بأن أسعار العقارات السكنية سجلت تباطؤاً ملحوظاً عقب مرحلة من النمو القوي، لا سيما في العاصمة الرياض. وأوضحت أن هذا التراجع النسبي لا يعكس ضعفاً عاماً في السوق، بقدر ما يشير إلى اختلاف في أنماط العرض والطلب بين المراكز الحضرية الكبرى في المملكة.
وبيّنت الشركة أن مدناً أخرى لا تزال تشهد طلباً قوياً مصحوباً بارتفاع متواصل في الأسعار، ما يؤكد وجود تباين واضح في ديناميكيات السوق العقاري. ورغم هذا التفاوت، لا يزال الطلب على الوحدات السكنية في المدن السعودية الرئيسية عند مستويات مرتفعة، مدعوماً بالنمو السكاني والمشروعات الاستثمارية الكبرى، خصوصاً في الرياض التي تواصل لعب دور محوري في تحفيز النشاط العقاري.
وفي هذا السياق، تحافظ جدة وحاضرة الدمام — التي تضم الدمام والخبر والظهران — على طلب مستقر نسبياً، مدفوع بجهود التنويع الاقتصادي ومبادرات تطوير البنية التحتية، ما يعزز من جاذبيتهما السكنية والاستثمارية.
المعروض السكني وتطوراته:
بحسب التقرير، بلغ إجمالي المخزون السكني في الرياض نحو 2.18 مليون وحدة بنهاية الربع الثالث من عام 2025، مع توقع دخول ما يقارب 9,468 وحدة إضافية إلى السوق خلال ما تبقى من العام.
أما جدة، فقد وصل حجم المعروض السكني فيها إلى نحو 1.23 مليون وحدة، بعد إنجاز 4,320 وحدة جديدة خلال الربع الثالث من العام نفسه.
وفي حاضرة الدمام، أُنجزت نحو 428 وحدة سكنية خلال الربع الثالث، ليرتفع إجمالي المخزون إلى حوالي 725.8 ألف وحدة، مع توقع إضافة قرابة 400 وحدة أخرى قبل نهاية العام.
حركة الأسعار في المدن الرئيسية:
واصلت أسعار البيع في الرياض مسارها الصاعد منذ بداية العام وحتى الربع الثالث من 2025، حيث ارتفعت أسعار الشقق بنسبة 10.3% على أساس سنوي لتصل إلى 6,501 ريال للمتر المربع، فيما سجلت أسعار الفلل نمواً بنحو 9.6% لتبلغ 6,810 ريالات للمتر المربع، مع وصول متوسط أسعار الفلل الفاخرة إلى 10,223 ريالاً للمتر المربع.
وفي جدة، اتسم الأداء بدرجة من التباين؛ إذ تراجعت أسعار الشقق بنسبة 2.8% مقارنة بالعام الماضي لتسجل 4,477 ريالاً للمتر المربع، في حين ارتفعت أسعار الفلل بنسبة 3.1% لتصل إلى 6,668 ريالاً للمتر المربع.
أما مدينة الدمام، فقد شهدت أداءً أضعف نسبياً، حيث استقرت أسعار الشقق مع ارتفاع طفيف بلغ 0.3% فقط، ليصل متوسط السعر إلى 3,578 ريالاً للمتر المربع، بينما ارتفعت أسعار الفلل بنحو 1% لتسجل 4,917 ريالاً للمتر المربع.
وفي الخبر، استمر الاتجاه الصاعد للأسعار منذ بداية العام وحتى الربع الثالث 2025، إذ ارتفعت أسعار الشقق بنسبة 5% سنوياً لتبلغ 3,956 ريالاً للمتر المربع، كما سجلت أسعار الفلل زيادة سنوية قدرها 1.6% لتصل إلى 6,104 ريالات للمتر المربع.
اتجاهات الطلب والسياسات التنظيمية:
وأشار التقرير إلى أن ارتفاع تكاليف التملك يدفع شريحة متزايدة من المشترين نحو الشقق السكنية، إلا أن توجهاً جديداً بدأ يبرز يتمثل في الإقبال على وحدات “التاون هاوس”، التي توفر مزيجاً متوازناً بين مزايا الشقق والفلل من حيث المساحة والخصوصية، وبأسعار أكثر ملاءمة نسبياً.
وفي جانب السياسات، توقعت الشركة أن يسهم تطبيق تجميد الإيجارات لمدة خمس سنوات على العقود السكنية والتجارية — سواء الجديدة أو المجددة أو الشاغرة — في تعزيز استقرار تكاليف المعيشة، والحد من الارتفاعات ذات الطابع المضاربي، الأمر الذي قد يعيد توجيه الاستثمارات نحو الأصول العقارية طويلة الأجل ومشروعات التطوير النوعية.