ابتداءً من يناير 2026، يدخل القطاع العقاري السعودي مرحلة تنظيمية جديدة مع بدء تطبيق نظام تملك غير السعوديين للعقار، في خطوة تعكس توجه المملكة نحو تعزيز جاذبية الاستثمار الأجنبي، وتنمية السوق العقاري ضمن إطار متوازن يحفظ المصالح الوطنية. ويُنظر إلى هذا النظام بوصفه أحد المحركات المستقبلية لإعادة تشكيل خريطة العرض والطلب، ورفع كفاءة القطاع، ودعم مستهدفات النمو الاقتصادي.
التقرير:
كشفت وزارة البلديات والإسكان عن تفاصيل نظام تملك غير السعوديين للعقار، مؤكدة أنه يأتي امتدادًا للتشريعات العقارية الهادفة إلى تنمية القطاع وتعزيز دوره في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر. ووفقًا للوزارة، من المتوقع أن يسهم النظام في زيادة المعروض العقاري عبر استقطاب مستثمرين أجانب وشركات تطوير عقاري، ما يدعم تنويع الاقتصاد الوطني ويرفع مساهمة القطاع العقاري في الناتج المحلي الإجمالي.
ومن حيث التأثيرات المتوقعة على السوق، يُرجّح أن يؤدي فتح باب التملك للأجانب ضمن نطاقات جغرافية محددة، لا سيما في مدينتي الرياض وجدة، إلى تنشيط الحركة الاستثمارية ورفع مستويات السيولة في السوق. كما قد يسهم ذلك في تطوير مشاريع عقارية نوعية، وتحسين جودة المنتجات السكنية والتجارية، إلى جانب تعزيز الشراكات بين المطورين المحليين والدوليين ونقل الخبرات العالمية إلى السوق السعودية.
أكّد المستشار المالي لدى منصة “المتداول العربي” محمد الميموني، أن نظام تملك غير السعوديين للعقار داخل المملكة، سيُحدث نقلة نوعية في السوق العقارية، وينعكس إيجابًا على العديد من القطاعات الاقتصادية المرتبطة، من بينها سوق الأسهم، وشركات التطوير العقاري، والبنوك.
وفي حديثه لقناة “الشرق”، أوضح الميموني أن القرار من شأنه أن يشعل المنافسة بين شركات العقارات، عبر تسريع وتيرة تطوير الوحدات السكنية، وتقديم منتجات أكثر تنوعًا وجودة لتلبية الطلب الجديد المتوقع من المستثمرين الأجانب.
وأشار إلى أن توسيع قاعدة المستثمرين سيفتح آفاقًا جديدة أمام شركات التطوير العقاري، ويعزز من حجم المبيعات، مضيفًا أن النظام الجديد سيؤدي إلى ارتفاع في الطلب على الأراضي الخام، ما يدفع الشركات إلى التوسع في مشاريع جديدة داخل المدن الكبرى ومحيطها.
وفيما يتعلق بالقطاع المالي، توقّع الميموني أن تشهد البنوك السعودية نموًا ملحوظًا في محافظ التمويل العقاري والشخصي، مدفوعة بزيادة إقبال الأجانب على شراء العقارات داخل المملكة، وهو ما يُعد دفعة قوية لقطاع التمويل بشكل عام.
وفي المقابل، أكدت وزارة البلديات والإسكان أن النظام المُحدَّث راعى المصالح الوطنية من خلال آليات واضحة لضبط السوق ومنع أي اختلالات محتملة. ويشمل ذلك تحديد نطاقات جغرافية للتملك، ووضع اشتراطات خاصة لتملك العقارات في منطقتي مكة المكرمة والمدينة المنورة، نظرًا لخصوصيتهما الدينية والاجتماعية، بما يحافظ على التوازن المجتمعي والاستقرار العقاري.
وستتولى الهيئة العامة للعقار مهمة اقتراح النطاقات الجغرافية التي يُسمح فيها لغير السعوديين بتملك العقار أو اكتساب الحقوق العينية عليه، وتضم اللائحة التنفيذية لنظام تملك غير السعوديين للعقار 15 مادة تغطي الجوانب الإجرائية والرقابية والتنظيمية لتملك غير السعوديين للعقار داخل المملكة، سواء كانوا أفراداً أو شركات أو كيانات غير ربحية. ومن أبرز ما جاء في هذه المواد: تحديد الإجراءات الواجب اتباعها من قبل غير السعوديين لتملك العقارات بمختلف أنواعها داخل المملكة، وفرض رسم على تصرف غير السعودي بالعقار، لضمان العدالة وتحقيق المصلحة الاقتصادية، وإدراج جدول يصنف مخالفات أحكام النظام ولائحته التنفيذية، مع تحديد العقوبات المرتبطة بها، مما يعزز الرقابة والتنظيم في هذا القطاع.
وتهدف اللائحة إلى وضع إطار قانوني واضح يضمن شفافية التعاملات العقارية ويحد من المخالفات، مع تشجيع الاستثمارات الأجنبية وفق ضوابط مدروسة تخدم التنمية العمرانية والاقتصادية في المملكة.
وأكدت الوزارة أن النظام يتناغم مع أحكام نظام الإقامة المميزة، ومع تنظيم تملك مواطني دول مجلس التعاون الخليجي للعقار داخل الدول الأعضاء لأغراض السكن أو الاستثمار، إضافة إلى توافقه مع الأنظمة الأخرى المعمول بها، ما يعزز وضوح البيئة التشريعية ويزيد ثقة المستثمرين.
وعلى مستوى الانعكاسات طويلة الأجل، يُتوقع أن يسهم النظام في تعزيز استقرار السوق العقاري، والحد من المضاربات غير المنضبطة، مع التأكيد على عدم تأثير تملك الأجانب على قدرة المواطنين على التملك. ويأتي ذلك ضمن توجه سعودي أوسع لخلق بيئة عقارية متقدمة، قائمة على تنظيم مسؤول يوازن بين الانفتاح الاستثماري وحماية المصلحة الوطنية العليا، بما يدعم بناء قطاع عقاري أكثر نضجًا وتنافسية في السنوات المقبلة.