سيتي سكيب… لحظة كشف لا تنفع فيها الأقنعة
عبدالرحمن بن علي آل قوت
في كل عام، يبرهن معرض سيتي سكيب العالمي، الذي استضافته الرياض، أنه ليس مجرد ساحة لعرض المشاريع العقارية، بل مساحة تكشف طريقة تفكير المطورين أكثر مما تكشف تصاميمهم أو مجسماتهم.
فالحدث الذي شهدته العاصمة، واستقطب 172 ألف زائر من مختلف أنحاء العالم، بمشاركة 550 جهة عارضة تمثل مطورين وصناديق استثمار وجهات حكومية ومؤسسات تمويل وشركات تقنية من أكثر من 120 دولة، وشهد صفقات معلنة تجاوزت 237 مليار ريال، لم يعد مجرد تجمع عقاري، بل تحوّل إلى منصة تُظهر الفارق الحقيقي بين من يملك رؤية ومن يكتفي بالمشهد.
وفي الرياض تحديداً — المدينة التي تحتضن اليوم واحدة من أكبر التحولات العمرانية في المنطقة — لا تُقاس قيمة المطور بنوع المشروع الذي يعرضه، سواء كان برجًا تجاريًا، أو وجهة ترفيهية، أو مشروع ضيافة، أو مخططاً حضرياً، أو مشروعاً متعدد الاستخدام، بل تُقاس بقدرته على قراءة اتجاهات السوق. فهناك مطور يدخل سيتي سكيب ليختبر تفاعل المستثمرين، ويحلل الأسئلة المتكررة، ويلتقط التحولات في الطلب المؤسسي، ويعيد تشكيل تصوراته حول ما يجب أن يكون عليه المشروع القادم. وفي المقابل، هناك مطور آخر يدخل المعرض ليعيد ما سبق أن عرضه، ويغادر من دون فكرة جديدة أو قراءة مختلفة أو حتى تقدير واقعي لما ينتظره السوق.
القيمة الكبرى في سيتي سكيب لا تكمن في الإضاءة واللافتات … بل في المعرفة التي يولدها الحدث من داخل النقاشات وأسئلة الزوار وتفاعل الجهات الحكومية والمستثمرين والمشغلين والخبراء، فعندما يسأل مستثمر دولي عن دورة الاستثمار، أو تتوقف جهة تشغيل عند تفاصيل التجربة التشغيلية، أو يناقش خبير حضري مفاهيم جودة الحياة، أو يستفسر ممول عن استدامة التدفقات النقدية، فإن هذه اللحظات الصغيرة تكشف ما لا تكشفه التقارير الرسمية. هنا تتشكل لدى المطور خريطة جديدة للفرص، وهنا يُعاد تعريف ما يعنيه النجاح في مشروع تجاري أو سياحي أو مكتبي أو ترفيهي أو متعدد الاستخدام.
وخلال مشاركتي في إحدى الجلسات الحوارية التي جمعت نخبة من قادة القطاع، كان واضحًا أن سيتي سكيب لا يمنحك منصة للحديث فحسب، بل منصة لقياس وعيك أمام الآخرين. فقد كشفت النقاشات حجم الفجوة بين من يمتلك رؤية واضحة لمستقبل التطوير، ومن لا يزال يتحسس طريقه وسط زخم التغيير. وقد جاءت هذه التجربة لتؤكد حقيقة جوهرية: أن سيتي سكيب ليس معرضاً للعرض والبريق، بل ميداناً يُختبر فيه الوعي المهني لكل لاعب في القطاع.
لقد أوضح الحدث أن المرحلة المقبلة في القطاع العقاري ليست سباقاً على الواجهة أو على حجم المساحة، بل سباقاً على التجربة والقيمة … تجربة المتسوق، وتجربة الموظف، وتجربة السائح، وتجربة الساكن، وتجربة المستثمر. فقد أصبح السوق أكثر وعياً، وأصبح العميل أكثر مطالبة، وأصبحت الجهات التنظيمية أكثر تطلباً، وهذا يعني أن على المطورين إعادة تعريف مشاريعهم من حيث الخدمة والابتكار والمرونة وتكامل الوظائف وكفاءة التشغيل والاستدامة والجدوى الحقيقية التي تتجاوز المظهر إلى الجوهر.
وفي نهاية المطاف، يظل سيتي سكيب مرآة صادقة تعكس واقع الصناعة العقارية في المملكة. فهو لا يكشف المشاريع فقط، بل يكشف العقول التي تقف خلفها، ويميز بين مطور يملك الجرأة على التغيير وتبني مفاهيم جديدة في التطوير والبناء والتخطيط، ومطور يكتفي بتكرار ما اعتاده رغم تغير السوق. فالأسواق تتغير، وتوقعات المستثمرين ترتفع، والمنافسة تتسارع، ومن ينتظر أن يخبره السوق بما يجب أن يفعل سيجد نفسه خارج المشهد. أما من يخرج من سيتي سكيب بفهم أعمق أو فكرة أكثر نضجاً أو منظور جديدًا لمشاريعه القادمة، فهو المطور الذي سيصنع الفارق في السنوات القادمة.
وهكذا، تبقى حقيقة سيتي سكيب واضحة … إنها لحظة كشف لا تنفع فيها الأقنعة، ولا ينجو منها إلا من يفهم السوق حقاً … قبل أن يتعامل معه وكأنه يفهمه.