بينما تتسارع وتيرة التحولات الاجتماعية والديموغرافية داخل المجتمع السعودي، كشف تقرير “إحصاءات الأسرة السعودية لعام 2024” الصادر عن الهيئة العامة للإحصاء، عن مشهد أسري يتسم بالتنوع والتغير، بدءًا من نمط السكن، وصولاً إلى حجم الأسرة، وتركيبتها، وخصائص أربابها.
ويقدم التقرير صورة دقيقة ومعمقة لتكوين الأسر السعودية، مستندًا إلى أحدث البيانات المستخلصة من تعداد السعودية 2022، إلى جانب نتائج عدد من المسوح الإحصائية الدورية، ليكون مرجعًا علميًا يعكس الخصائص الاجتماعية والاقتصادية للسكان، ويدعم صناع القرار في رسم السياسات الاجتماعية والإسكانية.
السكن: الشقق تتصدر.. والفلل في المرتبة الثانية
بحسب نتائج التقرير، فإن 44.9% من الأسر السعودية تقطن في شقق سكنية، مقابل 31% تقطن في فلل، مما يعكس تحولًا لافتًا في نمط السكن، خاصة في المدن الكبرى التي تشهد ازديادًا في الكثافة السكانية وأسعار الأراضي.
التقرير سلّط الضوء أيضًا على ارتباط نمط السكن بتكوين الأسرة، حيث تميل الأسر الفردية إلى العيش في الشقق بنسبة 55.8%، بينما لا تتجاوز نسبة هذه الفئة في الفلل 16.2%. أما الأسر المتعددة، فتوزعت بين الشقق بنسبة 43.4%، وبين الفلل بنسبة 33.3%، مما يعكس تأثير عدد الأفراد على اختيار نوع السكن.
تركيبة الأسرة: النووية تتفوق والممتدة تتراجع
من حيث البنية الأسرية، أوضح التقرير أن الأسر المعيشية السعودية تشكّل نحو 51% من إجمالي عدد الأسر في المملكة، وتغلب عليها الأسر التي تحتوي على فردين فأكثر بنسبة 86%، فيما تمثّل الأسر الفردية 14% فقط.
أما من حيث التصنيف البنيوي، فقد بيّن التقرير أن 70% من الأسر المتعددة تُعد أسرًا نووية، بينما 16% فقط تندرج ضمن فئتي الأسر المركبة والممتدة، ما يعكس تراجعًا تدريجيًا للنمط التقليدي الممتد لصالح الأسرة الصغيرة.
سكان أصغر سنًا.. وأسر أصغر حجمًا
كشفت البيانات أن السكان السعوديين يتمتعون بتركيبة عمرية شابة، حيث بلغ متوسط عمر الفرد السعودي 26.6 سنة، والوسيط العمري 23.5 سنة. الأهم من ذلك، أن نحو 71% من السكان السعوديين تقل أعمارهم عن 35 عامًا، وهي نسبة تعزز من حضور الطاقات الشابة في المجتمع، وتؤشر لتوجهات مستقبلية ترتبط بالتعليم، وسوق العمل، والسكن.
أما من حيث متوسط حجم الأسرة السعودية، فقد بلغ قرابة خمسة أفراد، بينما سُجّلت النسب الأعلى لدى الأسر المكوّنة من ستة أفراد (13.5%)، وتلك التي تتألف من أربعة أو خمسة أفراد (12.8%).
من هو رب الأسرة؟ الذكور يهيمنون والإناث يحضرن
وفي جانب يسلّط الضوء على التحولات الاجتماعية، أظهر التقرير أن الذكور لا يزالون يشكلون النسبة الأكبر من أرباب الأسر في السعودية بـ 83.1%، في حين وصلت نسبة الإناث إلى 16.9%، وهي نسبة تعكس مشاركة متنامية للمرأة السعودية في إدارة شؤون الأسرة.
وكانت الفئة العمرية 35 – 39 عامًا هي الأعلى بين الذكور أرباب الأسر بنسبة 17.6%، بينما كانت الفئة العمرية 30 – 34 عامًا هي الأبرز للإناث بـ 14.3%، ما يشير إلى دور متزايد للمرأة في تكوين أسر مستقلة في سن مبكرة نسبيًا.
أداة لفهم التغير الاجتماعي ورسم السياسات
ويعد تقرير “إحصاءات الأسرة السعودية 2024” أحد أبرز الأدوات التي تعزز من فهم الخصائص الديموغرافية والاجتماعية للأسر، من خلال مجموعة من المؤشرات التي تغطي الفئة العمرية (15 سنة فأكثر). ويُنتظر أن تساهم نتائجه في دعم السياسات الحكومية في مجالات الإسكان، التعليم، الصحة، والتوظيف، بما يتماشى مع مستهدفات رؤية السعودية 2030.
ومع التحول المستمر في أنماط السكن وتكوين الأسرة، يبدو أن المجتمع السعودي يسير بخطى ثابتة نحو مزيد من التحديث، مع المحافظة على هويته الاجتماعية، في مشهد يتطلب سياسات مرنة تستجيب لواقع الأسرة السعودية الجديدة.