عقارات تعبر الحدود… حين تصبح التنمية مشروعًا إقليميًا
د. عماد العبد الرحمن
لم يعد الحديث في السنوات الأخيرة، عن التوسع العقاري يقتصر على حجم المشاريع أو مساحاتها، بل بات يدور حول نوعية التوسع، وما إذا كان حاملًا لقيمة مضافة، أو مجرد انتقال لرأس المال من سوق إلى آخر، ما نشهده اليوم من انتقال بعض التجارب العقارية من السعودية إلى مصر، يعكس تحولًا مهمًا في المفهوم التقليدي للاستثمار العقاري الإقليمي.
لم يعد المطوّر العقاري مجرد «بائع للوحدات»، بل صار شريكًا في تشكيل البيئة الحضرية، وفي إدارة جودة الحياة داخل المدن الجديدة، وهذا ما لاحظته بوضوح في تجربة توسع إحدى الشركات السعودية إلى السوق المصري؛ إذ لم تكتفِ بإنشاء الأبنية، بل نقلت معها نموذجًا متكاملًا يجمع بين التخطيط العمراني، وتشغيل المرافق، وتوفير الخدمات المتكاملة، في توجه يعكس نضجًا متقدمًا في فهم العلاقة بين «الاستثمار والتنمية».
اللافت أن هذه التجربة لم تتوجه إلى المدن التقليدية، بل اختارت المراكز العمرانية الحديثة مثل العاصمة الإدارية ومدينة الشيخ زايد. وهذا مؤشر على وعي استراتيجي بضرورة المساهمة في صناعة المستقبل العمراني بدل الاكتفاء بالتعامل مع مناطق مكتظة أو مشبعة عمرانيًا.
الأكثر أهمية في رأيي هو تأسيس كيانات تشغيلية متخصصة تُشرف على استدامة الخدمات، وهو ما يقطع مع فكرة «الخروج بعد التسليم”، ويؤسس لعلاقة طويلة المدى بين المطوّر والمجتمع. وهنا تتحول العقارات من مجرد أصول ثابتة إلى نظم حياتية تستند إلى الإدارة والحوكمة.
جانب آخر يستحق التأمل، هو ربط الجاليات العربية في الخارج، وعلى رأسها المصريون في الخليج، بفرص استثمارية نوعية في أوطانهم. وهو ما أعاد تشكيل قنوات الاستثمار الشعبي وربطها بمشاريع قائمة على جودة عالية وخلفية تشغيلية موثوقة.
هذه التجربة، وإن كانت فردية من حيث الاسم، إلا أنها تحمل بُعدًا جماعيًا في دلالتها. فهي تفتح الباب أمام نموذج من التكامل العربي في التنمية، حيث تنتقل الخبرات من سوق ناضج إلى آخر ناشئ، وتُبنى شراكات عمرانية تقوم على المهنية لا المجاملة، وعلى الجودة لا الكم. في زمن تتصارع فيه المدن على جذب الاستثمار، يبدو أن التعاون العربي الحقيقي قد يجد طريقه عبر بوابة العقار، متى ما كان مدعومًا بفكر تنموي، وإرادة تشغيلية، ووعي بأن المدن لا تُبنى بالإسمنت وحده، بل بالرؤية.
صحفي اقتصادي