«التوازن العقاري»… رؤية ملكية تبني استقرار الوطن
د.حمود الفالح
في خطاب ملكي مشبع بالرؤية والعزم، أكد سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله –، أن قضية السكن ليست مجرد شأن اقتصادي، بل هي ركيزة للاستقرار الاجتماعي وأحد أعمدة الازدهار الوطني. فقد شدّد على أن الارتفاع غير المبرر في أسعار العقار أحدث تشوهات لا بد من معالجتها جذرياً، من خلال بناء سوق متوازن يعزز العدالة ويضع الإنسان في قلب التنمية.
لم يكن هذا الطرح خطاباً عادياً، بل إعلاناً بأن السكن ليس جدراناً تُشيّد، بل بيت الطمأنينة ومظلة الكرامة وأول لبنة في بناء مجتمع متماسك. ومن هذا المنطلق، وضعت القيادة ملف الإسكان في صدارة الأولويات الوطنية، باعتباره جزءاً أصيلاً من جودة الحياة، واستجابة مباشرة لتطلعات رؤية المملكة 2030 التي جعلت الإنسان غايتها ومحورها.
المبادرات التي طُرحت تستهدف خفض كلفة العقار، وتوسيع المعروض السكني، وتشجيع الاستثمار في التطوير العمراني، بحيث لا تقتصر على معالجة مؤقتة للأزمة، بل تصنع بيئة عادلة وشفافة تمنح الأسر خيارات متنوعة، وتفتح أمام المستثمرين آفاقاً رحبة للنمو في سوق منظم يخدم الجميع.
وفي السياق ذاته، جاء الربط بين الإسكان والاقتصاد الكلي ليعكس إدراكاً عميقاً لدور العقار في التنمية. فقد حقق الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي هذا العام نمواً لافتاً بنسبة 56%، وهو مؤشر على نجاح الإصلاحات الشاملة، وعلى أن مشروعات البناء والتشييد والصناعات المساندة تحولت إلى قاطرة حيوية تفتح فرص العمل وتدعم عجلة الاقتصاد.
أما على المستوى الاجتماعي، فقد ارتفعت نسبة تملك الأسر السعودية للمساكن إلى أكثر من 60%، وهو إنجاز متقدم على الجدول الزمني الموضوع، يعكس أثر السياسات الحكومية في تعزيز الاستقرار الأسري وترسيخ روح الانتماء والمواطنة. ومع ذلك، فإن التحديات الماثلة، وفي مقدمتها الأسعار المرتفعة، تظل حاضرة، وهو ما استدعى مراجعة نظام رسوم الأراضي البيضاء، وضبط العلاقة بين المؤجر والمستأجر لضمان عدالة سوقي التملك والإيجار معاً.
وفي قلب هذه السياسات برزت منصة التوازن العقاري التي دشنتها الهيئة الملكية لمدينة الرياض، لتكون تجسيداً عملياً للرؤية. فهي تتيح للمواطنين الحصول على أراضٍ سكنية داخل العاصمة بسعر عادل لا يتجاوز 1500 ريال للمتر المربع، مع طرح يتراوح بين 10,000 و40,000 قطعة أرض سنوياً خلال الأعوام الخمسة المقبلة. وبذلك تتحول العدالة من شعار إلى واقع، حيث تُحفظ الحقوق، وتُمنع المضاربات، وتُمنح الأسر فرصة ملموسة للحصول على سكن ميسر.
لقد حمل الخطاب الملكي رسالة واضحة مفادها أن معالجة ملف الإسكان ليست مجرد أرقام أو إجراءات، بل التزام عميق بالعدالة الاجتماعية ورفاهية الإنسان. إنها سياسات تنبع من رؤية استراتيجية تجعل من العقار جزءاً أصيلاً من التنمية المستدامة، حيث يلتقي الاقتصادي بالاجتماعي، وحين يصبح التوازن العقاري عنواناً للسياسات السكنية، يستقر البيت، وتطمئن النفوس، ويزدهر الوطن.