كشفت شركة نايت فرنك للاستشارات العقارية عن استمرار الزخم القوي في سوق المكاتب بالمملكة، حيث سجلت إيجارات المكاتب من الفئة “أ” في الرياض ارتفاعًا سنويًا قدره 15.1% خلال الربع الثالث من عام 2025، في وقت يشهد فيه القطاع طفرة ممتدة مدفوعة بالاستثمارات الحكومية والمشاريع العملاقة وبرنامج المقرات الإقليمية.
تسارع الطلب على المساحات المكتبية
وأكدت الشركة أن الطلب يتسارع بشكل لافت على المساحات المكتبية المتميزة والمتوافقة مع معايير الاستدامة والحوكمة (ESG) في الرياض وجدة والدمام، مما خلق سوقًا تتسم بارتفاع الإيجارات ونقص كبير في المعروض.
وبحسب التقرير، تواصل الرياض ترسيخ مكانتها كالقلب التجاري للمملكة، إذ بلغ متوسط إيجارات المكاتب من الفئة “أ” نحو 2750 ريالًا للمتر المربع، فيما ارتفعت إيجارات الفئة “ب” بنسبة 16.5%، وسط مستويات طلب غير مسبوقة.
ويشير تقرير مراجعة سوق المكاتب في دول مجلس التعاون 2025 الصادر عن نايت فرنك إلى أن استجابة الشركات الإقليمية والعالمية لمعايير المكاتب عالية الجودة والمستدامة تدفع الإيجارات ومعدلات الإشغال إلى مستويات تقترب من القياسية في الأسواق الخليجية الرئيسية. كما تظهر البيانات تحقيق نمو مزدوج الرقم في الإيجارات بالسعودية ودبي وأبوظبي، إذ تقترب مشاريع حديثة مثل برج إتش بي في جزيرة ياس من الإشغال الكامل.
نقص المعروض المكتبي
وقال فيصل دوراني، الشريك ورئيس قسم الأبحاث في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إن نقص المعروض المكتبي لا يزال يدعم النمو القوي في الإيجارات، مشيرًا إلى أن المبادرات الحكومية واستراتيجيات التنويع الاقتصادي تعزز نمو القطاع غير النفطي، ما يرفع الطلب على المكاتب المتوافقة مع معايير الجودة والحوكمة والاستدامة.
وأضاف دوراني أن ذلك النقص مرشح للتغير خلال السنوات المقبلة مع توقع زيادة المعروض المكتبي في الرياض بنسبة 60% بحلول 2027، ليتجاوز إجمالي المخزون 10 ملايين متر مربع، وفي دبي مع توقع تسليم 13.2 مليون قدم مربعة إضافية بحلول 2030.
من جانبه، أوضح جيمس هودجيتس، الشريك في قسم إدارة استراتيجيات المستأجرين، أن التوجه نحو الجودة يُعد العامل المشترك في كافة أسواق الخليج، حيث تفضل الشركات الكبرى والمتعددة الجنسيات المساحات المستدامة والقابلة للتكيف مع احتياجات المستقبل، ما يعكس الثقة المستمرة في آفاق اقتصاد المنطقة.
ارتفاع معدلات الإشغال
وكشف هودجيتس أن نقص المكاتب المتميزة يتجلى في معدلات إشغال شبه كاملة، إذ يبلغ إشغال مباني الفئة “أ” نحو 98%، والفئة “ب” حوالي 95%، مدفوعًا بالتوسع السريع للشركات، حيث أعلنت أكثر من 780 شركة متعددة الجنسيات نيتها إنشاء مقراتها الإقليمية في الرياض، تتصدرها الشركات الأمريكية بنسبة 41% ثم البريطانية 19% تليها الصينية 8% والألمانية 4%.
وتواصل الرياض الصدارة مستفيدة من رؤية 2030 وبرنامج المقرات الإقليمية، مع أولوية واضحة لدى الشركات للجودة والتمركز طويل الأجل. ويؤكد التقرير أن ارتفاع إيجارات الفئتين “أ” و”ب” يعكس الضغط المتزايد على المخزون الحالي، ما يدفع بعض المستأجرين للتوجه إلى خيارات ثانوية.
وأشار عمار حسين، الشريك المساعد في قسم الأبحاث، إلى أن أحد أبرز التطورات الأخيرة هو اعتماد سياسة تجميد الإيجارات لمدة خمس سنوات بعد ارتفاع إيجارات الفئة “أ” بنسبة 86% منذ 2019، لافتًا إلى أن الإيجارات ارتفعت بين 10% و15% في المواقع المتميزة قبل الإعلان مباشرةً، نتيجة توقعات السوق.
زخم سوق المكاتب في جدة
وفي جدة، يتزايد زخم سوق المكاتب مدفوعًا بالمخططات الرئيسية والمشاريع الكبيرة مثل مشروع ترامب بلازا جدة بقيمة مليار دولار والمتوقع افتتاحه في 2029. وسجلت إيجارات الفئة “أ” ارتفاعًا طفيفًا بنسبة 1.3% لتصل إلى 1251 ريالًا للمتر المربع بمعدل إشغال بلغ 92%، بينما يركز المستأجرون في جدة على القرارات القائمة على القيمة وهياكل الإيجار المرنة.
ويضيف حسين أن أجندة الإصلاح الطموحة للمملكة، وبرنامج المقرات الإقليمية، والحركة الضخمة للمشاريع العملاقة — التي بلغ إجمالي عقود إنشائها 196 مليار دولار منذ 2016 — خلقت بيئة تنافسية على مساحات الفئة “أ”. ويتوقع التقرير ارتفاع إجمالي المخزون المكتبي في الرياض وجدة والدمام من 9.7 ملايين متر مربع في 2025 إلى 15 مليون متر مربع بحلول 2028، على أن تستحوذ الرياض على نحو نصف المعروض الجديد، رغم أن التوقعات قصيرة الأجل لا تزال تشير إلى نقص المعروض وتسارع الإيجارات.