الصورة النمطية للوسيط العقاري… قراءة من الداخل
عبدالله بن صالح
مع التماس المباشر مع عدد من الممارسين في القطاع العقاري، تتشكل ملاحظات متكررة حول نظرة هؤلاء إلى الوسيط العقاري.
هذه الملاحظات لا تُقال في العلن غالبًا، لكنها تظهر بوضوح في الأحاديث الجانبية، وفي مستوى الثقة، وفي طريقة التعامل، وهي ملاحظات تستحق التوقف عندها، لا دفاعًا عن المهنة، بل حرصًا عليها.
المشكلة أن الصورة الذهنية السائدة عن الوسيط العقاري لا تزال في كثير من الأحيان صورة سلبية، تُختزَل فيها الوساطة في السعي خلف العمولة، ويُنظر إلى الوسيط كشخص انتهازي أو مفرط في الوعود، هذه الصورة لم تنشأ من فراغ، بل كانت نتيجة ممارسات خاطئة تراكمت عبر سنوات، وأخلّت بمبدأ جوهري تقوم عليه الوساطة: الثقة.
خطورة هذه الصورة أنها لا تبقى في إطار الانطباع، بل تنعكس مباشرة على سلوك السوق، فالدراسات تشير إلى أن انخفاض الثقة في الوسطاء المهنيين يدفع الأطراف إلى تجاوزهم، ما يضعف كفاءة الصفقات ويرفع مستوى المخاطر، ويحوّل السمعة إلى عامل إقصاء يسبق أي تقييم مهني حقيقي.
كما أن اختزال الوسيط في دور “بائع عمولة” يفرغ المهنة من قيمتها الاستشارية، وهو ما تحذر منه المؤسسات المهنية العالمية التي تربط سمعة الوسيط بسلوكه الأخلاقي لا بعدد صفقاته.
ورغم ما يشهده القطاع العقاري من تطور تنظيمي وتشريعي، فإن الأنظمة وحدها لا تكفي لإصلاح الصورة الذهنية، فالتشريع لا يصنع الثقة تلقائيًا ما لم تُدعمه ممارسة واعية ومنضبطة. وهنا تصبح المساءلة ضرورية: إلى أي مدى ساهم بعض الوسطاء أنفسهم في تكريس هذه الصورة بدل تصحيحها؟ فكل غموض، وكل مبالغة، وكل تقديم للعمولة على المصلحة، يعيد إنتاج الانطباع ذاته الذي يشكو منه القطاع.
ختامًا، فإن الصورة النمطية للوسيط العقاري ليست قضية علاقات عامة، بل مسألة مهنية تمس كفاءة السوق واستدامته. وإصلاحها لا يبدأ بتغيير الخطاب، بل بتغيير السلوك، واستعادة جوهر الوساطة بوصفها مهنة ثقة قبل أن تكون مهنة صفقات.
@aqar_1159