تحولات جذرية يشهدها قطاع العقارات، مدفوعة بالتطورات التكنولوجية المتسارعة، حيث بدأ عدد متزايد من الوسطاء العقاريين في الاستعانة بتقنيات الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR) لتقديم تجربة جديدة كليًا للمشترين والمستأجرين المحتملين. هذه التقنية، التي كانت تُستخدم في مجالات الترفيه والألعاب، باتت تجد طريقها بقوة إلى مكاتب الوساطة العقارية، لتمنح العملاء جولات افتراضية ثلاثية الأبعاد داخل الوحدات العقارية دون الحاجة إلى مغادرة منازلهم.
فهل ينجح هذا التوجه في إحداث نقلة نوعية في آليات التسويق العقاري؟ وهل يمكن للواقع الافتراضي أن يعوّض التجربة الحسية للزيارة الميدانية؟ أم أن هذه الأدوات تبقى مجرد وسيلة مساعدة لا تغني عن الطرق التقليدية؟
تسويق عقاري بـ”نظارة”
تسمح تقنيات الواقع الافتراضي للمشتري بارتداء نظارة VR والتنقل داخل شقة أو فيلا أو مشروع سكني كامل، وكأنه يزورها فعليًا. يمكنه فتح الأبواب، التجول بين الغرف، تغيير الألوان، وحتى استكشاف الإطلالة من الشرفة، وكل ذلك دون التواجد الجسدي في الموقع.
ويقول وسطاء عقاريون إن التقنية الجديدة أحدثت فارقًا كبيرًا في طريقة عرض العقارات، حيث أصبح بمقدورهم عرض عشرات الوحدات على العميل في جلسة واحدة، مقارنة بزيارة ميدانية مرهقة قد لا تتعدى ثلاث أو أربع وحدات فقط”.
توفير الوقت والجهد.. وتقليص التكاليف
واحدة من أبرز فوائد الواقع الافتراضي في السوق العقاري تكمن في تقليص الزمن اللازم لعملية البيع أو التأجير، كما أنها تقلل من تكلفة التنقل والزيارات المتكررة، لا سيما للمستثمرين الأجانب أو العملاء من خارج المدينة.
ويرى عدد من خبرء التسويق الرقمي في المجال العقاري، أن هذه التقنية “تعزز من فرص الإقناع الأولي”، مشيرة إلى أن العديد من العملاء يقررون حجز وحداتهم بناءً على الجولات الافتراضية، خاصة إذا كانت مصحوبة بمخططات واضحة وأسعار تنافسية.
تحديات فنية وسلوكية
رغم المزايا، يواجه الواقع الافتراضي في العقارات تحديات واضحة، أبرزها ارتفاع كلفة التجهيزات، والحاجة إلى تدريب الوسطاء على استخدام التقنية بكفاءة، فضلًا عن مقاومة بعض العملاء لفكرة اتخاذ قرارات مالية كبرى اعتمادًا على تجربة رقمية.
وباعتاد الخبراء أنه رغم تطور التقنيات، لا تزال الجولات الافتراضية تعاني أحيانًا من مشكلات تتعلق بالدقة أو جودة العرض، كما أن بعض العملاء لا يشعرون بالثقة إلا بعد المعاينة الميدانية”.
مستقبل التسويق العقاري.. رقمي بامتياز
الاتجاه المتزايد نحو رقمنة العمليات العقارية، بما يشمل التسويق، وإبرام العقود، وحتى تنظيم المزادات إلكترونيًا، يؤشر إلى أن المستقبل القريب سيشهد مزيدًا من الاعتماد على الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي في هذا القطاع.
ففي دول مثل الإمارات والسعودية، بدأت شركات تطوير كبرى في بناء “صالات عرض افتراضية” متكاملة لمشروعاتها العقارية، تتيح للعملاء استكشاف كل التفاصيل بدقة عالية، من الخامات المستخدمة في التشطيبات إلى حجم النوافذ ونوع الأرضيات.
ويعتبر خبراء أن الجيل الجديد من المشترين، وهم من “الرقميين بالفطرة”، سيكون أكثر تقبلًا لهذه الوسائل، ما يحتم على الوسطاء مواكبة هذا التغير وتجديد أدواتهم.
بين الابتكار والواقع.. ما الحل؟
لا شك أن الواقع الافتراضي يقدم قيمة مضافة واضحة، لكن من غير المرجح أن يُقصي أدوات التسويق التقليدية تمامًا في المدى القريب. فالتكامل بين الجولات الافتراضية والمعاينات الواقعية، مدعومًا بخدمة عملاء احترافية، سيكون هو النموذج الأنجح.
ويؤكد خبراء العقار أن “الواقع الافتراضي أداة قوية، لكنه لن يبيع وحدة بمفرده. يبقى العنصر البشري مهمًا لإقناع العميل، وقراءة احتياجاته، وتقديم المشورة الملائمة له”.
كما أن تحوّل استخدام تقنيات الواقع الافتراضي من كونه مجرد اتجاه جديد إلى أداة فعالة في يد الوسطاء العقاريين، لكن نجاحها مرهون بتكاملها مع باقي عناصر التسويق العقاري، وتقبل العملاء لها، وتطوير البنية التحتية الداعمة. وبينما نتحرك نحو مستقبل أكثر رقمية، يبدو أن من يواكب التكنولوجيا اليوم، سيكون هو الرابح في سوق الغد.